الطفل الكفيف : شخصيته وأساليب معاملته
الطفل الكفيف بصفة عامة هو :
الطفل الذى لا يستطيع تحصيل المعرفة عن طريق حاسة البصر . أى أنه لا يتمكن من الرؤية إما كليا أو جزئيا ولا تتجاوز قدرته على الإبصار 6/60 أو 20/200.
وعجز الكفيف عن الرؤية يترتب عليه اعتماده على حواسه الأخرى فى التعرف والتكيف مع عناصر البيئة التى يعيش فيها ، وهى اللمس والسمع والذوق والشم . حيث يعتمد على حاسة اللمس فى إدراك الحجوم والأشكال ، ومن الطبيعى أن حاسة اللمس لاتقوم بنفس الوظائف التى تقوم بها حاسة الإبصار فلا تمكن الفرد من إدراك الحجوم البعيدة عن متناول هذه الحاسة وكذلك الحجوم الكبيرة التى لا يمكن أن نحيط بها عن طريق اللمس ، بالإضافة إلى أنها لا تمكنه من التمييز بين الأشياء الآمنة والأشياء الى يمكن أن تلحق به الأذى . لذلك فإن حاسة السمع هى التى تتيح للطفيف تقدير المسافات بالربط بين مصدر الصوت وموقعه منه، وإن كان لا يستطيع إدراك طبيعة محدث الصوت.
ويمكن للكفيف بواسطة حاسة الشم أن يعرف الأماكن إذا ماكانت مقترنة فى ذهنه بروائح معينة .
أما فى مجال الحركة فإن الكفيف لا يستطيع أن يتحرك بنفس السهولى التى يتحرك بها المبصر. ولذلك يظل بحاجة إلى الرعاية والمساعدة خارج البيت الذى يألفه إلى أن يكٌون ألفة جيدة بهذه الأماكن التى يرتادها أو ترتبط بدرجة أو بأخرى بنشاط حياته.
ولأن الطفل الكفيف يكون فى حاجة دائمة إلى مساعدة الآخرين فى الحركة وفى قضاء حاجاته فإن أسلوب التعامل معه وتقديم يد العون له يجب أن يتسم بدرجة معينة من الإتزان لأن التطرف فى تقديم المساعدة قد يؤدى إلى جعله شخصية اعتمادية سلبـية وقد
يكون اسلوب تقديم المعاونة فيها درجة من التعالى أو التضجر أو التأفف مما يؤدى إلى سمات شحصية رافضة أو انسحابية وكلا الأمرين يؤدى إلى تكيف سيئ .
وإذا أراد الطفل الكفيف الانتقال من مكان إلى مكان آخر استخدم كل حواسه ، فبواسطة حاسة الشم يمكنه تمييز الرواثح المختلفة التى يمر بها . ويتحسس الأرض بقدميه أثناء سيره ليعرف موطء قدميه ، وقد يستخدم عصا تساعده فى انتقاله ليتحسس بهاماقد يكون أمامه ، وبواسطة حاسة السمع يستطيع تمييز الأصوات ويستخدم التقدير الزمنى لقياس المسافات . والكفيف بهذا يبذل طاقة وجهدا كبيرين أثناء انتقاله يفوق بكثير ما يبذله الطفل المبصر ، وهذا يؤدى إلى أن .بكون أكثر تعرضا للإجهاد العصبى والبدنى والشعور بعدم الأمن وخيبة الأمل ممايسبب له التوتر وقد تؤثر على صحته النفسية .
وحياة الكفيف تفرض عليه العيش فى عالمين : عالم المبصرين ،وعالمه الخاص المحدود. وهو لا يستطيع مجاراة المبصر فى عالمه ، ويطمح فى نفس الوقت إلى الخروج من عالمه الضيق ، ويجد نفسه عاجزا عن ذلك .. ويتولد داخل الكفيف صراع يشده تارة إلى الخروج من عالمه الضيق وتارة أخرى يدفعه إلى تجنب عالم المبصرين . ولعل أقسى المواقف وأشدها على نفسه هى مواقف السخرية والإبعاد التى يقفها الأطفال المبصرون منه ، وتتضح بمنعه من مشاركتهم فى ألعابهم وضحكهم عليه وهزؤهم منه . وهو يفسر هذه المواقف بأنها اضطهاد له واساءة إليه ، ويرجع سبب ذلك دائما لكونه كفيف .
كما قد يجد الكفيف نفسه فى مواقف أخرى تغلب عليها سمات الشفقة والرأفة وتوفي الحاجات له ، هذه المواقف التى يجدها فى البيت ، حيث توفر له أمه كل وسائل راحته وتلبى له كل حاجاته لأنه برأيها " مسكين عاجز" ... وقد تجهر الأم برأيها على مسمع منه ، فيزداد اقتناعه بعجزه واقتناعه بالظلم الذى يحيق به ، هذا الظلم الذى يبررله الاتصاف بالشخصية الاتكالية ، فيطالب من حوله بتلبية كل حاجاته ، ويبرر مطالبه الكثيرة وقعوده عن بذل أى جهد ، بأنه عاجز .
ويؤثر التناقض الحادث بين قسوة الرفاق والعالم الخارجى والتساهل والتسامح الشديد داخل المنزل بسبب كونه كفيف فى سلوك الطفل الكفيف حيث يفضل السلوك الانزوائى الانسحابى وممارسة بعض الأنشطة الفردية والتحليق فى عالم الخيال وأحلام اليقظة كوسيلة دفاعية تعويضية لشعوره بعجزه .
كما أن الكفيف فى محاولته الاستقلال عن الجماعة ورفضه ليد العون والمساعدة التى تمتد إليه يواجه العديد من المصاعب التى تعترض استقلاليته فتنمو لديه مشاعر الحقد والعدوانية تجاه المحيطين به وتجاه الجماعة التى ينتمى لها .
ويشعر الكفيف نتيجة هذه الصراعات ونتيجة المواقف التى تمر به ، بنوع من القلق : "فهو يخشى أن يرفض ممن حوله بسبب عجزه ، ويخشى أن يستهجن الناس سلوكه ويستنكرون أفعاله ، وهو فى خشية دائمة من أن يفقد حب الأشخاص الذين يعتمد أمنه على وجودهم واستمرار حبهم له . ويخشى كذلك أن تقع له حوادث لا يمكنه أن يتفاداها لأنه كفيف ، وأكثر الحوادث التى يخاف أن يتعرض لها هى حوادث السقوط والحوادث التى يترتب عليها أن يفقد الأشخاص الذين يقومون على رعايته ويوفرون له الشعور بالأمن . ثم أنه يخشى الوحدة ، رغم أنها تشعره بنوع من الاستقلال ، إلا أنها تشعره من ناحية أخرى بفراغ قد تملؤه أوهام تخيفه وترعبه . ثم أنه أخيرا يخشى اعتداء الناس عليه .. وقد لايكون الاعتداء عليه بالضرب بل قد يكون بالسخرية منه أو اهانته أو اغتصاب حقوقه .
وسوف نعرض فى الصفحات التالية بعض الارشادات التى يجب الالتزام بها إذا م أردنا لطفلنا نموا سليما صحيا متوازنا رغم اعاقته وبالطبع معظم هذه الإرشادات موجهة بالدرجة الأولى للوالدين ولمشرفى دور الحضانة والمدرسين .
إن الشىء المهم الذى لا يمكن أن يعدله أى شىء آخر بالنسبة للطفل سواء كان كفيفا أو مبصرا هو "الحب" لكن بالنسبة لطفلنا هنا يجب ألا يكون هذا الحب مرتبطا بالحماية الزائدة لكنه الحب الخالص وليس لمجرد تعويضه عن فقد بصره .
والشعور بالأمن من الحاجات التى سبق أن نوهنا بأهميتها بالنسبة للطفل الكفيف وهو يتساوى فى ذلك مع غيره من الأطفال مع مراعاة الدقة والحرص فيه . ولأن الطفل الكفيف يخاف من أشياء ناتجة عن بعض الأوهام التى بينا مغزاها فإنه يحتاج إلى شخص يكون موضع ثقته ويكون فى نفس الوقت وسيطا ومترجما لمثيرات البيئة المحيطة به ، والأم أفضل من يمكن أن يقوم بهذه المهمة إلى جانب الأب ومشرفة الحضانة والمدرس التربوى المتخصص . حيث يمثلون مصدر طمأنينة الطفل فى مراحل نموه المتتابعة .
ويجب على من يقوم برعاية الطفل أن يكون قادرا ويعتمد عليه فى هذه المهمة ، فيجيب على لستفساراته ولا يكذب عليه حتى لا يقوض الثقة القائمة ، ويتجنب التهديد لأن الطفل الكفيف لديه الكثير مما يخافه فلا يجب علينا زيادة هذه المخاوف بمثل هذه التهديدات، ويجب أن تكون البيئة المحيطة بالطفل بيئة منظمة مرتبة محددة فى مواعيد الطعام والنوم والاستيقاظ، لأن هذا الترتيب والنظام يقلل من حيرنه ومن قلقه ويشعره بالأمن .
فإذا ما ستطاع معرفة مكان "الفوطة" أو "الصابون" أو مكان حفظ ملابسه الدائم سهل عليه الوصول بنفسه له . كما يجب تعليمه النظام وتعويده على وضع أغراضه فى أماكنها ، هذه العادة التى سيكون لها أكبر الفوائد فى مستقبل حياته .
كما أن جميع الأطفال يكونون فى حاجة إلى الشعور بمتعة القدرة على الأداء ويمكن للقائم بالرعاية فتح الكثير من الآفاق الجديدة لتذوق هذه اللذة عن طريق التدريب الصححيح الذى يتيسر حينما يقوده ويوجهه لأى عمل يتيح له فرصة الشعور بالنجاح ، مثل تذكر الأنغلم أو استرجاع كلمات بعض الأناشيد الدينية أو العزف على الهرمونيكا أو بناء المكعبات .
ولابد من مراعاة المبدآن الأساسيان فى هذا المجال وأولهما : ألا تقوم بأداء عمل له أبدا يكون هو قادرا على القيام به بنفسه ؛ فليس من القسوة الوقوف فى سكون بينما يمد يده محاولا الإمساك " بخشخيشته " بينما الأسهل لك أن تقوم بوضعها بسهولة بين أصابعه.
وتأكد أن التدليل والشفقة من الممكن أن تضيف للطفل عاهة على عاهته ، فالطفل الذى لا تتاح له فرصة مساعدة نفسه لا يفقد المهارات والقدرات المكتسبة فقط ، بل يفقد أيضا استقراره العاطفى ، لأنه لم يتمكن من الحصول على الشعور الحيوى بالرضا نتيجة القدرة على انجاز الأعمال.
وكخطوة أولى لمساعدة الطفل على اكتساب الاعتماد على النفس يجب تركه وحده ليلعب ببعض الألعاب البسيطة . كما يستحسن تعليق بعض الأجراس واللعب البسيطة فى مكان نومه ثم فى المكان الذى تعود أن يلعب فيه إذ أن أصواتها تستثيره .
ساعد الطفل اذا شعرت بأنه يستطيع الوقوف فى المكان المسور للعبه وضع بعض الوسائد له فى المكان لتحميه من الخبطات التى قد تصيبه.
وسيحتاج الطفل للمساعدة أيضا فى تعلم المشى لعدة أسباب منها : أن بعض الأطفال المكفوفين يستمرون فى مرحلة الحبو التى عادة ما تسبق المشى ، لأنهم لا يجدون شيئا يدفعهم لترك هذه المرحلة . والآخر : أن الطفل الكفيف لا يستطيع أن يتعلم بمحاكاة ما يراه . ولعدم وجود خبرات بالفراغات مما يقلل من دافعيته للإنتقال من مكان لآخر . وعند تدريبه على المشى حاول أن تساعد الطفل بمسك كلتا يديه الأمر الذى يؤدى إلى زيادة ثقته من ناحية وإلى منعه من مد يده باستمرار أمامه كلما أراد أن يمشى , هذه العادة التى تستمر مع المكفوفين ويستحسن تقويمها قبل أن تصبح سلوكا معتادا ثابتا لديه .
وعليك أن توجه خطوات طفلك دون جذبه أو دفعه ، حيث أنه سيميل إلى الوقوف على أطراف أصابعه فقط ، ساعده فى وضع أصابع قدميه كلها على الأرض مرة واحدة كى يتعلم المشى بطريقة صحيحة وبوضع سليم .كما أنه يحتاج إلى رفع رأسه .
وعندما يصبح الطفل قادرا على المشى بمفرده أنح له فرصة ممارسة المشى حتى لو تعثر وشجعه على الاستطلاع واستثر رغبته فى التنقل من مكان إلى آخر وعلمه على سبيل المثال الطريق من حجرة الجلوس للمطبخ حيث يحصل مثلا على يسكويتة أو كوب حليب.
شجعه أيضا على مسك الأشياء ودربه على استعمالها مثال ذلك وصفك للكنبة المريحة التى يستخدمها الوالد ويستريح عليها عادة وطلبك من الطفل تحسسها والجلوس عليها.
حاسة اللمس بالنسبة للطفل الكفيف من الحواس المهمة وبالتدريب تصبح أكثر حساسية وأكثر نفعا .
راع أن يكون الأثاث موضوعا دائما فى مكان معتاد ثابت حتى تقيه من السقطات التى لا داعى لها وما يترتب عليها من تثبيط عزمه ، ودرب باقى أفراد الأسرة على أن يحذو حذوك .
د. صلاح الدين السرسي