تعليم المرأة.. نحو صناعة بشرية ناجحة

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الأربعاء, يونيو 24, 2015 - 23:24

تُرى كم أنفقنا من الجهود والطاقات والأموال لتطوير الصناعة في بلداننا بكافة أنواعها: الحديد..الصلب.. البلاستيك.. الغزل والنسيج.. السيارات.. الأجهزة الكهربية وغير الكهربية.. ، ولكن كم من الوقت والجهد والمال أنفقناه لصناعة صانع كل هذا.. لصناعة الإنسان ؟!!
كم من الوقت والجهد والمال أنفقنا لتدريب صانعته الأولى والمنوطة بتشكيله وتكوين شخصيته ألا وهي "الأم" ؟؟!!
كم من الوقت والجهد والمال أنفقنا لتهيئتها لهذه الصناعة المصيرية الخالدة ؟!!
نعم .. لقد غذيناها بسائر صنوف المعلومات والأفكار والمعارف ، إلا علم صناعة البشر!!
وها نحن نلمحها في أروقة ودروب الحياة: طبيبة ناجحة.. معلمة بارعة.. إدارية متميزة..سياسية بارزة.. بل وخطيبة مفوهة.. لكننا في أحيانٍ كثيرة نراها مراهقة ثائرة.. فتاة متعثرة.. زوجة حائرة.. أماً قد ارتج عليها طريق النجاح.
فهل توجهنا إليها خارج المنزل أكثر من داخله؟!
وهل أحطنا عقلها بالمعلومات والمعارف العامة خارج محيط اهتمامها الأساسي ودروها الحقيقي المنوطة به في الحياة ، لندعها من بعد ذلك وحيدة حائرة مغتربة في منزلها وفي مرتع أمومتها تتخبطها الآراء ما بين الخطأ والصواب دون هادٍ أو مرشد..؟؟!!
سيقول قائل إن هناك الكثير من المواد والمقررات الدراسية التي تختص بها البنات عن البنين ، والتي تعد المرأة لدورها القادم .
وأقول : إن هذه المقررات لا تكاد تخرج عن أشغال الإبرة والتدبير المنزلي ، فهل بهذا وحده تختلف اهتمامات المرأة عن الرجل ؟!
وهل بهذا فقط تتهيأ المرأة لدورها المصيري القادم في صناعة البشر..؟!
لابد أن نقر أولاً أن معطيات المرأة العقلية وخطابها الفكري والوجداني يختلف عن الرجل ، بل لابد أن نقر أن تركيبها البيولوجي وخارطتها النفسية تتباين عنه بصورة لا تدعنا نهمل حقيقة اختلافها عن شقيقها الرجل .. اختلافاً لا يشير إلى النقص ولا يفضي إلا التماثل ، وإنما يؤكد روح التكامل بينهما كعنصرين لوحدة الوجود البشري..
وهذا الاختلاف تقره وتؤكده الدراسات الحديثة التي تهدم بنتائجها العلمية الواضحة مزاعم دعاة التحرر القديمة ، ومن هذا ما يؤكده البرفسور "روبن فير" مدير معمل الأبحاث السلوكية للدماغ بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية والذي يقول: " ثمة علاقة وطيدة بين الاختلافات في الجنس وبين كبر وصغر المساحات المتواجدة بمخ كل طفل ، مما ينعكس على مجموعة الأفعال التي يتصف بها كل جنس من أولئك الأطفال" ؛ ففي حين تعمل خلايا أدمغة البنات بصورة أسرع من خلايا أدمغة البنين في سنٍ مبكرة ، مما يفسر تحدث الفتيات بصورة أسرع وأسلس ، فإن الولد يتمتع بمساحة أكبر في المخ خاصة بأداء العمليات الحسابية ، ولهذا فان الأولاد عادة ما يتفوقون في حل العمليات الحسابية المعقدة عن الفتيات . وفي سن البلوغ تختلف الصورة إذ يتسارع نضج البنين عن البنات بأربع إلى خمس نقاط مما يجعل البنين أكثر قدرة على التحصيل المعرفي والكفاءة الإنتاجية.
وفي هذا الصدد يرى مدير جامعة هارفارد أن قلة عدد الباحثات في المجال العلمي يرجع إلى الاختلافات في مساحات المخ بكل من الرجل والمرأة, وأن عقل البنت ليس كعقل الرجل.
وإذا كانت هذه الدراسات الحديثة أثبتت هذا الاختلاف على المستوى العقلي فثمة اختلافات أخرى على المستوى الفسيولوجي والنفسي ، ومن صور هذا الاختلاف أن الهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء لدى الرجل تؤثر في تكوينه الفسيولوجي وتعطيه قدرات جسمانية تؤهله لممارسة أعمال شاقة مرهقة ، وهذه الهرمونات لا تملكها المرأة، مما أدى بها إلى بنية مختلفة عن الرجل ، وبالمقابل فإن جهازها العصبي يجعلها مرهفة الأحاسيس ، جياشة العواطف، يخفق قلبها لكل من يستحق العطف والشفقة، مما جعلها مؤهلة لأن تقوم بدور المربي للجيل الصاعد ، وهي بهذا أقدر على فهم حاجات الطفولة باندفاعاتها البريئة الملحّة، وأصبر في تحمل مزعجاتها المستمرة..
وهذا ما وعته أمم سبقناها في التاريخ وصناعة الحضارة ، وسبقتنا في سلم النهضة وإدراك النجاح ، أمة كاليابان أدركت عظم وأهمية دور الأم في صناعة البشر فجعلت من تربية الأم لابنها واحتضانها إياه في سن مبكرة جزءا من السلم التعليمي الذي يرتقيه الطفل من بعد ، ومرحلة محددة الأهداف والمبادئ والقيم ؛ فكانت أولى المراحل التعليمية في السلم التعليمي باليابان (التربية في حجر الأم) ؛ أو ما يعرف باسم المنهج المنزلي والذي يعتمد بشكل أساسي على العلاقة الخاصة بين الأم وطفلها والالتصاق الجسمي والنفسي بينهما، وهو ما يتيح الفرصة للأم لفهم سمات وسلوك وأحاسيس طفلها ، ومن ثم تقوم بتدريبه على ركائز التعليم قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية من خلال تعليمه الحروف الهجائية والعد حتى رقم مائة وأداء بعض العمليات الحسابية البسيطة بالإضافة إلى حفظ وترديد بعض الأغنيات. كما تهتم الأم بتعويد طفلها على تجنب المواقف التي تسبب مضايقات للغير ؛ ليتعلم تدبر العواقب المترتبة على تصرفاته ، ويرتبط سلوكه منذ مراحله المبكرة بأمزجة وأحاسيس الآخرين، وتهتم الأمهات في اليابان بهذه المرحلة بصورة جادة لأنها تبنى وفق منهج محدد الأهداف والوسائل..
ولعل قائلاً يقول : الأمومة فطرة وغريزة ولا تحتاج لأنماط من التعليم والتدريب .
وأقول : إن مشاعر الأمومة فطرية وغريزية ، أما دور الأم فهو أوسع وأشمل من مجرد منح المشاعر والتزكية بالعواطف ، دور الأم هو الصناعة هو التربية هو التنشئة والتوجيه ، وهذه المهمة تزداد صعوبة وتعقيداً يوماً بعد يوم في عصر السماوات المفتوحة وثورة الاتصالات وتمازج الثقافات..فلا مجال للحيرة والجهل والتجاهل لما يجب أن تكون عليه أمهات العصر الحديث..
نعم من حقها أن تتعلم الطب والرياضة والفلك وعلوم الحاسب ، ولكن من الأولى والأهم أن تدرس علم نفس الطفل ومبادي التربية. والتربية الصحية الخاصة بالأطفال على مدار مراحل العمر ، من الأولى أن تفهم أسس بناء البيت السعيد وتربية النشأ الصالح وتزكية الأنفس الوليدة ، من الأولى أن تعرف كيف تكون فتاة صالحة وزوجة طائعة وأماً ناجحة لنبدأ بها ومنها وعليها تشييد أعظم صناعة ألا وهي صناعة البشر

 

 

 

أ. شروق محمد

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.