التفكير الإبداعي ... الغرس والحصاد
نسمع دوما عن مفهوم إبداع، ومبدع؟ وعمل إبداعي، ويردد الناس مقولة أن (س) من الناس مبدع في حين يتمني (ص) من الناس أن يكون مبدعاً كذلك؟ ويتساءل آخر هل الإبداع إلهام، وأسطورة غامضة؟ وهل الإبداع نتاج عامل وراثي وبالتإلى هو حكر على عنصر أو عرق من البشر؟ أم انه نتاج عملية بيئية تربوية ثقافية مجتمعية؟ أم هو نتاج لتفاعل ونمو هذه العوامل مجتمعة ينتج عنها فيه وصول الفرد إلى أقصى درجات النمو المعرفي، والانفعإلى والاجتماعي فيتحقق الإبداع؟ وسؤال آخر يطرح نفسه مؤداه : لماذا يبدع أبناء العالم الثالث - على اعتبار أننا منهم - عندما يهاجرون من بلدانهم؟؟ ويُلامون لماذا لم يبدعوا في بلدانهم؟؟ ويٌلامون على عدم نقل هذا الإبداع؟ وكأن الإبداع عملية سحرية تحدث في الفراغ؟؟ دون وسائط ودون مقومات، ومقدمات.
في تعريف مفهوم الإبداع:
إن مفهوم الإبداع مفهوم متعدد التعريفات، والدلالات فهناك ستون تعريفا في الأدب النفسي للإبداع، فلا يوجد تعريفا جامعا مانعا قطعا لمفهوم الإبداع مثله مثل تعريف مفهوم الذكاء؟ لكن مجمل التعريفات تتفق حول أن الإبداع نتاج عقلي معرفي نفسي، نتاج عملي تطبيقي سلوكي بيئي، عمل تمتزج فيه الذات والموضوع، الفرد والبيئة الاجتماعية، والطبيعية فينتج عن هذا الامتزاج فكر، وأداء خلاق أصيل. إنه عملية نمو مستمرة، إذا الإبداع ليس شيئا غامضا لا محدد له، انه يمكن الاستدلال عليه وتنميته وتطويره.
وعُرف الإبداع على انه: " القدرة على إنتاج فكري أو عملي يتصف بأكبر قدر من الطلاقة الفكرية، والمرونة التلقائية، والأصالة".
وعرف أيضا: بأنه " نشاط عقلي مركب وهادف، توجهه رغبة قوية في البحث عن حلول، أو التوصل إلى نتائج أصيلة لم تكن معروفة سابقا ".
مكونات بنية التفكير الإبداعي:
للتفكير الإبداعي عناصر تكوَن بنيته الكلية من أبرزها:
العنصر الذاتي: ممثلا بالفرد وقدراته الجسدية والعقلية والنفسية.
العنصر الموضوعي البيئي: ممثلا بالبيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية المساعدة والمشجعة على الإبداع.
عنصر الأصالة: وتعني التفرد والتميز والندرة والقدرة على النفاذ إلى ما وراء الأحداث والظواهر والأفكار المباشرة والمألوفة.
عنصر الطلاقة: وتعني القدرة على إنتاج أفكار عددية لفظية وسلوكية لمشكلة لقضية نهايتها حرة مفتوحة. ويمكن تلخيص الطلاقة بالأشكال:
1. طلاقة اللغة: وتعني سرعة في التفكير وإنتاج عدد من المفردات والجمل والصيغ اللغوية في نسق جيد.
2. طلاقة التداعي: وهي عبارة عن أكبر عدد من الكلمات ذات الدلالة الواحدة ... مثال كلمة الضوء ... شفق ... شعاع ... لهب ...
3. طلاقة الفكر: وهي عبارة عن استدعاء عدد كبير من الأفكار المنسقة في زمن محدد.
4. طلاقة الأشكال: ويعنى بها تكوين أشكال جميلة وإضافات أشكال إلى أشكال أخرى لتكوين رسومات وأشكال جميلة مثل تنظيم حديقة أو ترتيب أثاث البيت أو تكوين لوحة، أو تخطيط مدينة (...).
عنصر المرونة: وهي قدرة الفرد على تغيير حالته الذهنية بتغير الموقف وللمرونة صور عدديه منها:
1. المرونة التلقائية؛ وهي عبارة عن قدرة الفرد على إنتاج أفكار (كما وكيفا) ذات صلة بموضوع واحد.
2. المرونة التوافقية التكيفية: ويعنى بها القدرة على التوصل إلى حلول لمشكلة أو موقف في ضوء التغذية الراجعة التي تأتي من ذلك الموقف.
3. الحساسية للمشكلات: وهي قدرة الفرد على تشخيص المشكلات، والنظم، والعادات، وتحديد جوانب القصور والنقص فيها.
4. وضع بدائل الحلول وتوفير الوقت والجهد والمال.
5. التفاصيل: وتتمثل في مدى ونوعية الخبرة والوصول إلى تنمية خبرات جديدة لدى الفرد.
تقنيات الإبداع:
حدد نيكرسون (Nickerson, R.S. (1999) ملخصا لعدد من تقنيات الإبداع التي تم اقتراحها. وقد تم تطوير هذا المنهج من قبل الأوساط الأكاديمية والصناعية هي:
1. تحديد الهدف والقصد.
2. بناء المهارات الأساسية.
3. تشجيع اقتناء مجال معين للمعرفة.
4. استثارة ومكافئه الفضول، والاستكشاف.
5. بناء الدافع، خاصة الدوافع الداخلية.
6. تنمية شجاعة الإبداع والثقة والاستعداد لتحمل المخاطرة.
7. التركيز على الإتقان الذاتي.
8. تشجيع المنافسة ودعم المعتقدات الإبداعية.
9. توفير فرص الاختيار والاكتشاف.
10. تطوير الإدارة الذاتية (الوعي بالمهارات "Metacognitive Skills".
11. تدريس تقنيات التعليم، واستراتيجيات تيسير الأداء،
12. توفير التوازن الخلاق.
من صور الإبداع:
الكون بكل مكوناته دلالة على قدرة الله عز وجل على بديع خلقه فتلك هي أبدع صورة.
تخطيط مدنية على أسس علمية يمثل صورة إبداعية.
تخطيط حديقة.
تنسيق أثاث البيت.
رسم لوحة.
نظم قصيدة كقصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم يبكي حال اللغة العربية التي تمثل وعاء لإبداعنا عربا ومسلمين. ومن هذه القصيدة:
رَجَعْتُ لنفسي فاتَّهَمْتُ حَصَاتي ... ناديتُ قَوْمي فاحْتَسَبْتُ حَيَــــــاتي
رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبَابِ وليتني ... عَقُمْتُ فلم أَجْزَعْ لقــــــَوْلِ عُدَاتي
وَلَدْتُ ولمّا لم أَجِدْ لعَرَائسي ... رِجَـالاً وَأَكْفَـــــــاءً وَأَدْتُ بَنَـــــــــاتي
وَسِعْتُ كِتَابَ الله لَفْظَاً وغَايَةً ... وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بـهِ وَعِظِـــــــاتِ
فكيفَ أَضِيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ ... وتنسيقِ أَسْمَاءٍ لمُخْتَرَعَاــــــتِ
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ ... فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي
فيا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِني ... وَمِنْكُم وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أُسَـــــــاتي
فلا تَكِلُوني للزَّمَانِ فإنَّني أَخَاف..ُ. عَلَيْكُـــــمْ أنْ تَحِـــــــينَ وَفَاتـــي
من أساليب التدريب على التفكير إبداعي منها:
حاول قضاء بعض الوقت مع أفراد يتصفون بالتفكير الإبداعي.
أكتب أية فكرة تخطر على بالك.
حاول تدريب نفسك على الفكاهة.
درب نفسك على العصف الذهني لأنه يقوي الدماغ وينمي الفكر يولد الأفكار سل نفسك أسئلة تسهم في التدرب على العصف الذهني؟؟
مثال (1)
سل نفسك فيما تستخدم فرشة الأسنان؟ والإجابة الروتينية هي تنظيف الأسنان. لكن هناك إجابات أخرى منها:
حك الرأس.
تنظيف بعض قطع الأجهزة الدقيقة مثل الحاسوب.
تنظيف قنينة الرضاعة الصناعية الخاصة بالطفل.
مزج بعض المواد كالألوان.
تنظيف الحذاء....الخ.
........ (...)
مثال (2)
لماذا أحتل الأمريكيون العراق؟؟
الإجابة الروتينية؟؟ هي أن العراق مثل مصدر تهديد للجيران؟ وانه يمتلك اسحله دمار شامل؟؟ تحرير الشعب العراقي؟؟ (...)
لكن ألا ينبغي التفكير في إجابات أخرى منها:
القضاء على أي مشروع سياسي اقتصادي علمي يعتقد انه قد يشكل تهددا للكيان الصهيوني.
تفتيت الكيانات العربية المفتتة أصلا إلى طوائف، وقوميات يصارع ويصرع بعضها بعضا.
سرقة نفط العراق.
إعطاء رسالة صريحة لمن يجرؤ على الكلام ويقول للسياسة الأمريكية المتطرفة (لا).
إحياء مفهوم الاحتلال/ الاستعمار القديم المتمثل في وضع القدم موضع العين.
معوقات الإبداع:
أختزل الباحثون معوقات الإبداع في ثلاث مجموعات من المعوقات هي على النحو التالي:
1. معوقات نفسية منها:
الخضوع للطرق المألوفة في حل المشكلات، ومقاومة التغيير.
غياب شجاعة الإبداع نتيجة نقص الثقة بالنفس والأفكار والتصورات.
الخوف من الظهور بمظهر غير الفاهم فندعي الفهم.
2. معوقات ذهنية منها:
التصاق فكرة وجود إجابة واحدة صحيحة للمشكلة فقط.
عادات التفكير والنمطية.
القيود وقلة الحرية.
3. معوقات بيئية (أسرة ومدرسة ومجتمع) ومنها:
جهل أو تجاهل دلالة مفهوم الإبداع.
عدم وجود مؤسسات تهتم بظاهرة الإبداع.
قصور نظم التعليم التي تسهم في اكتشاف التفكير الإبداعي.
غياب الدعم للأفكار الإبداعية.
تشجيع الإبداع القائم على قوانين الاستهلاك والعرض والطلب.
استخدام عبارة هذا عيب (الشرح المناسب أفضل)
الضرب ... مقتلة للإبداع (الحوار والتفهم أفضل)
السخرية تعيق الإبداع (التشجيع والتوجيه أفضل)
جو الإدارة الرديء.
التضييق الإداري.
سؤ إدارة المشروعات.
فأين وماذا غرسنا للتفكير الإبداعي وماذا ننتظر من حصاد؟
د. محمد عقلان