شخصية المرأة بين البناء والهدم

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 22, 2015 - 15:00

ما تعيشه الأمة اليوم من واقع تنبّأ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفرض مزيداً من البحث عن المعوقات التي تحول دون نهوض الأمة من جديد واستعادة فاعليتها الحضارية. و من خلال قراءات متكررة لهذا الواقع ارتأيت أن أقول: إن دور المرأة فيه خطير بل إن دورها في اعتقادي قد يكون الحد الفاصل الذي يحدد طبيعته (أي طبيعة الواقع) وما يعيشه الفرد في ظله.

وإذا تأملنا حياة المرأة اليوم نجد أنها في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة صياغة شخصيتها عملياً وفكرياً وتوجيهياً وفق تربية إيمانية متكاملة ، بما يلائم كينونة وجودها وطبيعة مهمتها الإنسانية في الأرض ، وذلك من أجل تجاوز واقعها المليء بالإحباطات والتناقضات والإكراهات والإغراءات أيضا) المادية والمعنوية التي تغرقها أكثر في مستنقعات التبعية والتقليد والخرافة والاستلاب والتغريب ، واستعادة الشخصية الفاعلة المسترشدة بهدي الإسلام الذي أحدث انقلاباً شاملاً في الحياة البشرية كلها سواء على مستوى الممارسة والسلوك أو على مستوى الفكر والتصور ، حيث استطاع الإنسان - رجل أو امرأة - في ظله أن يتحرر من كل ما يعوقه عن الانطلاق في تحقيق خلافة اللّه في الأرض وإعمارها بالخير والنماء ، وذلك من أجل ربط الصلة بمقومات رقينا التاريخي واستعادة دورنا في الحياة باستثمار طاقات وقدرات تُهدر في مجالات تافهة وسلبية ، وإعادة النافرين والمستلبين إلى دائرة الوجود الحضاري الفاعل.
وقبل أن نلج إلى صلب الموضوع نحتاج إلى وقفة من أجل تحديد المصطلحات الواردة في العنوان ، إن الشخصية هي الصورة التي تظهر بها الذات الإنسانية من خلال تفاعل عوامل ومقومات عدة ذاتية مع العالم الخارجي حيث تتجسد سلوكاًُ ومواقف وممارسات.
وتتكون الشخصية الإنسانية من عوامل عدة يكون لها أشد التأثير وأبلغه على تشكيلها، منها الغريزة والبيئة والوراثة والتربية والشخصية الإسلامية هي تلك التي تتسم بسمة الإيمان ، وتصبغ بالصبغة الربانية بالتزامها بحدوده ممارسة وفكراً وتصوراً يقول تعالى: صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة.
والبناء لغة مفرد أبنية وهي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء ، وبنى الرجل اصطنعه كما يطلق على العلو والشرف في مثل قول الحطيئة أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ، أما إذا استعملناه في المجال الإنساني فإن مفهوم البناء من المنظور الإسلامي هي تلك التراكمات الأخلاقية التي تهدف إلى عمليات التغيير في سلوك الإنسان وفكره وتصوره نحو الأفضل والأحسن التي تحقق مقاصد الشارع من قضية الاستخلاف في الأرض الشاملة لطاقات الإنسان وقدراته المادية والمعنوية فالبناء من خلال هذا المفهوم عمليات تغييرية مستمرة في أسلوب حياة الإنسان وطريقة فكره ومستوى أداء عمله نحو التقدم والتحسين والتنمية يقول تعالى: {إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}
أما مصطلح الهدم لغة فهو نقيض البناء، ونقصد به هنا المفهوم الذي أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن اللّه سميع عليم} (الأنفال: 53)، حيث يخبر اللّه تعالى أن اللّه لا يغير النعمة إلى نقمة إلا إذا محا الإنسان في نفسه الخير ومارس عمليات الإبادة في الأرض.
ومن خلال هذا التحديد ندرك أن إعادة بناء شخصية المرأة وفق التصور الإسلامي والمنهج الرباني لن تؤتي أكلها إلا من خلال التركيز على أسس ثلاثة:
1- تحرير واسترداد إنسانية المرأة.
2- ترسيخ فعل الإيمان في النفس.
3- استشعار المسؤولية الكاملة تجاه الذات والمجتمع والأمة والإنسانية جمعاء•

أولاً: تحرير واسترداد إنسانية المرأة:
من المحاور الأساسية التي دارت عليها سور القرآن الكريم محور التوحيد والعبودية للّه وحده، وهذا يعني أنه كلما فهم الإنسان مدى عبوديته للّه وسما مفهوم التوحد في نفسه كلما حقق في هذه النفس مفهومها التحرري الصحيح ورغم كثرة الدعوات المستمرة لتحرير المرأة في عصرنا الحديث ومحاولات إخراجها من تخلفها ومعاناتها وما حققته من نجاح لا ننكره في مختلف المجالات فإن واقع المرأة يكشف عن وضعية ماسخة لها وعن عدم امتلاك ذاتها وانغماسها في عبوديات مختلفة.
أبرز مظاهرها أن الاهتمام بها هامشي لا يرقى إلى مستوى إنسانيتها ورسالتها في الحياة ومن أبرز مظاهرها أيضا عبوديتها لجسدها بالانكباب على تزيينه وتقديمه في سوق العرض والطلب، وهدر طاقاته وإمكاناته في التركيز على الانشغال بانحناءات الجسد.
ونظرة عابرة لمعظم الإنتاج الفني والأدبي (المكتوب والمرئي) أو التسويقات التجارية مثلاً تجد معظمها يصب في ميدان الجسد وصناعته وتزيينه وفرض حضوره بشكل مهين ومقزز للمرأة المعتزة بأنوثتها وإنسانيتها والمدركة لآفاق تحررها، ويؤسفني أن أعلن أن المرأة رغم تعليمها وتقلدها لمناصب عدة إلا أنها ما زالت ترسف في مظاهر كثيرة من مظاهر التخلف والجهل والخرافة، وتعيش في ظل مفاهيم خاطئة ومبتورة لبعض النصوص الشرعية مثل وقرن في بيوتكن وناقصات عقل ودين ، والمرأة التي استطاعت أن تتحرر من تراكمات هذه المفاهيم تحولت إلى عبوديات أخرى تسربت إليها من الفكر الغربي فأصبحت ترسف في أغلال التغريب والاستلاب والاستغلال، هذا بالنسبة للمرأة المتعلمة، أما المرأة الأمية فإن واقعها أمر ولذلك يمكن أن نضيف إلى ما ذكرناه من عبوديات عبودية الأمية والفقر والتهميش وغيرها، وبصفة عامة فإن واقع المرأة ينبئ عن خلل ناتج من غياب فعل التحرر منه، ولن تستطيع ضبط هذا الواقع إلا إذا حررت عقلها، واستقام فكرها، لأن تحرر العقل من الخرافة والجمود والتقليد والتبعية يدفعها إلى التأمل والتدبُّر ونبذ أشكال العبوديات وعدم الانسياق وراءها من دون وعي أو بصيرة، كما أن استقامة الفكر واتزانه يدفعان إلى الوعي بحقوقها وواجباتها والأخذ بأحكام الشريعة وتطبيقها في حياتها باعتبارها كلا واحدا لا يتجزأ فتسترد إنسانيتها المتدحرجة بين الأقدام وتمارس الحرية بمفهومها الحقيقي التي تمدها بقوة فاعلة ومحركة لبناء شخصية متوازنة مع ذاتها الفردية والجماعية تمتلك القدرة على تغيير الواقع وتحسين أوضاعها المادية والمعنوية.
إن الوعي بقيمة التحرر ينشئ من المرأة شخصية فاعلة معتزة بأصالتها وجذورها متطلعة إلى الاستفادة من مختلف الخبرات الإنسانية لإثبات حضورها وتفعيل مشاركتها في مجالات الحياة حسب إمكاناتها وقدراتها فتستطيع فهم رسالتها في الحياة وتأديتها على الوجه الأكمل، وفي الوقت نفسه لا تسمح لأي كان من استعبادها أو التعدي على حقوقها ، نريد للمرأة أن تعيد بناء شخصيتها على أساس متحرر من كل العبوديات المختلفة لأن المرأة في معظم مجتمعاتنا قد اختزلت اهتماماتها في الشكل فقط ، أي في جسدها، وفقدت الاهتمام بغير ذلك إلا ما فرض عليها فإنها تمارسه من دون إخلاص أو اقتناع• الأمر الذي أدى إلى هبوط كبير في مستوى الأداء، وأدى إلى ممارسة لا واعية للهدم وإبادة مختلف عوامل التحرر والعزة والكرامة.

ثانياً: ترسيخ فعل الإيمان في النفس:
إن تنمية العلاقة بين المرأة وخالقها وترسيخ الإيمان به في نفسها له أثر بالغ على تشكيل شخصية مطمئنة لا تقع فريسة لأي صراعات نفسية ، وتواجه كل ما يعترضها من صعوبات وتحديات لأن الإيمان مصدر كل سلوك سوي ينبع من النفس الإنسانية ، وهو البوصلة التي تسترشد بها في كل تصرفاتها ومواقفها وأعمالها قال تعالى: {ونفس وما سواها• فألهمها فجورها وتقواها• قد أفلح من زكاها• وقد خاب من دساها}(الشمس 7-10) وللأسف فإن المرأة المسلمة اليوم فقدت أو كادت تفقد هذه البوصلة لأنها تعيش في معزل عن دينها رغم ممارستها له من خلال ما تؤديه من شعائر من دون روح إلا من رحم اللّه ، الأمر الذي أوقع خللا في شخصيتها وانفصاما بين الواقع والتصور والفكر والممارسة ، وأبعدها عن تحقيق قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات 56)•
من هنا كان تفعيل الإيمان في حياة المرأة قضية أساس تُخرج الدين من كونه مسألة شخصية إلى اعتباره منهجاً متكاملاً يتغلغل في نسيج الممارسات الإنسانية المتعددة، وفي هذا المجال تستوقفنا ضرورة تصحيح مفهوم العمل في نفسها أي عمل من أجل ترسيخ الإيمان والسمو بالنفس ، لأن العمل في المفهوم الإنساني يحمل كل معاني العبادة الحقة ، والمرأة يجب أن تدرك أن العمل الذي يقوم به الإنسان في الدنيا مهما كانت المادية أو المعنوية منه أو عدمها فإنه عمل تعبدي سوف تثاب عليه ، وأن أصل الصلاح والفساد في الأرض ينبني على ما يقدمه الإنسان من عمل يقول تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} (الروم: 41)•
وهذا المفهوم ينمي درجة الإيمان في نفسها لأنها تستشعر بأنها في معية اللّه في كل أحوالها، والتيقن بهذه المعية يضفي توازنا وانضباطا على كل الأعمال التي تقوم بها شرط توافر الصدق والإخلاص والإحسان فيها كما يدفعها لتحقيق الصلاح فيها، ومن أهم الوسائل لترسيخ الإيمان في النفس تنمية الخُلُق الحسن فيها وذلك من خلال: التمكُّن من مدلولات الأخلاق وآثارها في النفس والمجتمع ومباشرة الأعمال الصالحة المساعدة في تنمية الأخلاق وتقويمها ومجاهدة النفس وتدريبها على الخُلُق الحسن والقدوة الحسنة أو المثال الذي يجب احتذاؤه، فهذه كلها وسائل مساعدة لبلوغ الإيمان أغوار النفس والوجدان وإدراك اليقين ولاستعادة إنسانية المرأة واستجابتها لعوامل الإحياء يقول تعالى: {استجيبوا للّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}(الانفال -24)•

ثالثا: استشعار المسؤولية:
إن الخير في هذه الأمة لم ينقطع ولن ينقطع إلى ما شاء اللّه•
فهذه الأمة تحتوي على أعداد هائلة من النساء والرجال الملتزمين بطاعة اللّه لذلك يبرز تساؤل مؤلم: إذا كان الأمر كذلك واذا كان الحل في الرجوع إلى الإسلام فلماذا كان هذا حالنا؟؟•• إن استقراء بسيطا لواقع الأمة يجد تفلتا كبيراً من المسؤولية بين الرجال والنساء على حد سواء•
وما دمنا بصدد الحديث عن المرأة فسيتم التركيز على مدى مسؤوليتها عن هذا الواقع، إن أعدادا هائلة من النساء تدخل في إطار الطاقات الخاملة والعاجزة عن العطاء المنتج، وأعدادا من النساء مقيدة بسلاسل من الجهل والتخلف والتبعية والاتكالية نخرت الغثائية والسلبية والهامشية فاعليتها فأصبحت أرقاما منسية لا تخرج عن كونها تكثيرا لسواد الصالحين وغيابا أو تغييبا لطاقات المصلحين ولذلك كان هذا حالنا، من هنا كانت الدعوة إلى إشعار المرأة بخطورة رسالتها ودورها واستشعار مسؤوليتها تجاه نفسها وتجاه مجتمعها وأمتها وتجاه الإنسانية جمعاء ودعوتها إلى الكف عن تمييع مهمتها وحصرها في اهتمامات هامشية تافهة، وأول مجال يجب الوقوف عنده والتأكيد على خطورته وأهميته في بناء شخصية الأمة بأكملها مجال الأمومة إننا نحتاج الى تصحيح نظرتنا للأمومة ومهمتها الخطيرة في البناء والتوجيه والتربية واعتبارها على رأس المهمات التي تحتاج إليها الأمة لاستعادة فاعليتها لأن العالم كله في حاجة الى لمسة المرأة الأم وارجاعها الى نطاق صياغة إنسانية الإنسان أي الى مصدر التغذية الإنسانية الغنية بأصناف الحنان والرحمة والحب والعطاء ليتزود منها بقطرات تعينه على مجابهة الماديات الطاغية والقسوة والظلم، وما جفت منابع الخير والرحمة من العالم كله إلا بعدما ابتعدت المرأة عن إرضاعها بنيها وإقناعها بتجفيف ثدييها وحجبهما عن طفلها بدعوى المحافظة على الجمال أو بدعوى ضرورة تركه من أجل العمل أو من أجل أسباب مختلفة، متناسية أن الطفل هو عماد المستقبل وأن كل أم إذا ربت أبناءها تربية سليمة واعية مسؤولة غيرت المجتمعات وارتقت وتضاءلت مظاهر الفساد والانحلال فيها، أليس الإسلام قام وانتشر على أيدي الأطفال الذين تربوا في حضن الدعوة الأولى وكان منهم القادة والجنود الذين فتحوا العالم بالخير وغرسوا أولى بذور الحضارة الإنسانية الحقة، إننا يجب أن نولي الأم عناية فائقة وخصوصاً لأنها إما أن تكون بانية الأجيال إذا وعت دورها وخطورته ووجهته الوجهة السليمة أو هادمة لما تبقى من مقومات وعناصر الحضارة القائمة على الإنسانية الحقة•
إن حصر اهتمامات المرأة اليوم سواء كانت أما أو زوجة أو ابنة في أمور تافهة أو هامشية نتج منه تعطيل لطاقات مهمة ويرجع ذلك الى طبيعة الثقافة التي تربت في حضنها سواء من خلال الفضائيات أو من خلال قنوات ثقافية أخرى سربّت مفاهيم وقيما لا علاقة لها بإنسانية الإنسان، والاهتمام بهذه الثقافة المشكلة لجانب كبير من شخصيتها خطوة كبيرة لتصحيح بناء هذه الشخصية، من هنا يمكن القول: إن هذا البناء لن يرتفع إلا بوضع اللبنات الأولى لذلك، ومن أولاها تنقية الفضاء الذي يسبح فيه فعل القراءة في واقع الأمة بصفة عامة، القراءة المحركة للإبداع والعطاء وليست الدافعة الى الاستهلاك والتبعية والتقليد والتغريب• وهذا ما ينمي الإحساس بالمسؤولية عند المرأة سواء مسؤوليتها تجاه ربها أولاً ثم نفسها أو مجتمعها أو أمتها ومسؤوليتها عن ذلك كله•


من نحن
الاستشارات
ابحث
المشرف المشرف
داء ودواء داء ودواء
تطوير ذات تطوير ذات
أبناء وبنات أبناء وبنات
حياة زوجية حياة زوجية
معارف معارف
شخصيات شخصيات
كتاب كتاب
واحة واحة
الصيدلية
استكشف نفسك
المستشارون
دليل المختصين
تصويت
برنامج بر الأمان
منتدى النجاح

الآن قد تستطيع مساعدة نفسك... قد تستطيع التخلص من الخجل... قد تقضي على الرهاب الاجتماعي...

 

 

د.سعاد عبد الله ناصر

كتاب صناعة النجاح . تأليف أ.د /عبد الله السبيعي

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.