كيف تتقبل ذاتك

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 22, 2015 - 14:53
تقبل الذات .. بصورة عامة .. يعني : تقبل الذات !! و هو من المفاهيم العميقة التي ابتذلت من فرط الاستخدام . و يمكن أن يوصف بأنه : فهم الذات بإنصاف ، ثم التعاطف معها بمحبة ، ثم البدء في الارتقاء بها . و هو تعريف يسعى إلى تحديد خطوات المفهوم : الفهم ، التعاطف ، الرقي .
 

ماذا يجري إذا لم تسع إلى تقبل ذاتك :
قبل الحديث عن تقبل الذات وما يمنحه للإنسان من فرص خلاقة للحياة ، ينبغي أن نرى الصورة الأخرى .. ماذا لو لم يتقبل الإنسان نفسه ؟!
إذا لم يتقبل الإنسان نفسه ، يكون مسرحاً لكل الآليات الدفاعية اللاشعورية ، وغير السوية ، مثل:
الكبت : طرد الأفكار المؤلمة من الوعي إلى اللاوعي ، وتناسي وجودها .
الإنكار : رفض الواقع المؤلم وإنكار حدوثه ، كالذي يغطي عينيه بيديه إذا رأى ما سيؤذيه (حادث ، أو ضرب .. الخ) .
التكوين العكسي : كبت الرغبة السيئة وإظهار نقيضها الحسن ، كالذي يكبت كراهيته لشخص ويظهر حبه .
الإسقاط : أنسب رغباتي غير المقبولة إلى الآخرين لأبرئ نفسي منها دون أشعر بذلك. كما ننسب إلى الآخرين أنهم سبب مشكلاتنا دون أن ننظر إلى الأسباب الحقيقية التي نتجت عن سلوكنا نحن.
الإزاحة : بأن أزيح الانفعال عن الموضوع المقلق إلى غيره ، كالذي يظلمه مديره فيزيح انفعاله إلى زوجته في البيت .
التبرير : باختراع أعذار منطقية الظاهر للمشكلات الخاصة . ( كالثعلب حين لم يقدر على أخذ العنب فقال : أنت حامض) .
النكوص : بالعودة إلى سلوكيات تناسب مراحل سابقة في النمو ( كالرجل الراشد حين يستجيب لبعض المواقف باستجابات طفلية ) .
الإدماج : استدخال قيم الآخرين إلى الذات ، وهي ضرورية للنمو ، ولكن حدوثها دون ضابط يجعل الإنسان عرضةً لاستدماج ما يضره وما ينفعه .. وهنا نجدنا أمام شخصية " الإمعة " .
التعويض : وينشأ من الشعور بالنقص ، والبحث عن تعويض يصرف الناس عن التنبه إلى نقصه. كالذي يشعر بدمامته فيبالغ في التزين ، أو جهله فيبالغ في ادعاء المعرفة ومراكمة الشهادات.

 

ومن الضروري التنبه إلى أن هذه الآليات النفسية تحدث لنا جميعاً على مستوى اللاشعور ، فلا نكون واعين بها ، ولو حاول شخص أن يشرح لك ما يجري منك لخالفته في ذلك بشدة ، لأنك " لا تشعر " به ، فأنت كالذي يحركه عقله الباطن دون أن يعي . وهذه الآليات أساس في غالب الاضطرابات النفسية .
وستظل هذه الآليات هي الحاكمة على سلوك الفرد ما لم يبدأ مسيرة : تفهم الذات .. ثم تقبلها .
مع هذه الآليات غير الشعورية ؛ يمكن أن نجد سلوكيات شعورية مدمرة للذات ، كالعدوانية ، والغضب .

 

رحلة تقبل الذات :
نحن نبدأ تقبل أو رفض ذواتنا من خلال استدخالنا لطرق تعامل " الآخر معنا " .. والذات لا تعي نفسها إلا من خلال " آخر " .
وأول " آخر " تتعامل معه " الأم " ، فهي التي تظل تنظر إليها ، وتنتظر مداعبتها (بصورة سلبية) ثم يتطور بك الأمر فتداعبها أنت (بصورة إيجابية) ، وتظل تنتظر منها " الاعتراف بك " و " محبتك " .
والطفل حين يرضع اللبن ، يرضع معه " قبول ذاته ، أو رفضها " .
ولهذا فقبول الأم للطفل أول حجر في بناء تقبل الذات.
في المرحلة التالي يأتي دور الأب : الرجل المهيب الذي يشعر الطفل أنه أقوى المحيطين به ، لأنه يرى الآخرين يأتمرون بأمره ، ويبدأ الطفل في التقرب إلى أبيه طلباً " لمحبته واعترافه به " ويتطلب الاعتراف بالطفل أن يمتثل للقوانين والمعايير التي يأمر بها الأب ( ومن هنا يبدأ دور التنشئة الاجتماعية ، واستدخال المعايير الثقافية للحصول على تقدير أعلى للذات ) .
في المراحل التالية يطلب الطفل التقدير والتقبل من إخوته ، ورفاقه ، وأساتذته ، ومجتمعه .. غير أن هؤلاء جميعاً يرتكزون على التقبل الأول : من الأم والأب . ولذا ينبغي أن يتنبه الوالدان إلى أن ما يقولونه للأبناء ويمارسونه معهم في الطفولة يحدد لبنات أساسية لاحترام الأبناء لذواتهم وتقبلهم لأنفسهم .
ولكن هذا لا يعني أنك إن نشأت في بيئة أسرية ضعيفة التقبل ستظل طيلة عمرك رافضاً لذاتك !! بل سينتقل مركز الضبط من "الوالدين " إليك أنت ، وستكون - بما اكتسبت من خبرة ومعرفة ونضج - قادراً على مراجعة نفسك ، ومنحها ما تستحق من تقبل وتقدير .

 

عناصر تقبل الذات :
الفهم :
• تعرف على نفسك دون تشوهات في الإدراك ، وهذا يعني الإنصات للذات ، وحسن الاستماع إلى أفكارك .
• لست مطالباً في هذه المرحلة بتقديم البدائل ، وإنما يكفيك أن تتعرف إلى نفسك بصورة أقرب إلى الصحة .
• اعرف : إيجابياتك ، وسلبياتك ، والمواقف المؤثرة في حياتك .
• ركز على مواطن القوة فيك .
• ابحث عن البيئة المعززة لمواطن القوة .

 

القبول :
• بعد معرفة نفسك ، اقبلها كما هي . وهي المرحلة الأصعب ، لأن التقبل يعني: الاعتراف بالحقائق عن نفسك دون أن تدينها وتحكم عليها .
• الكثير يحاول الارتقاء بنفسه قبل أن يقبلها .
• قبول الذات ، لا يعني الرضا بما هي عليه ، وإنما تقبله رغم نقصه .

 

الصفح :
• تب عن أخطائك ، واجعل تذكرك لها دافعاً للرقي لا اليأس .
• وهو مبني على العنصرين السابقين : الفهم ، والتقبل .

 

الناقد المرضي pathological critic :
مصطلح وضعه العالم النفسي أوجين ساجان لوصف الصوت الداخلي السلبي الذي يقوم بمهاجمتك وإصدار الأحكام عليك ، وهذا الناقد اللاعقلاني يكون أعلى صوتاً وأكثر قسوة . يلومك ، ويقارنك بالآخرين ليقلل من شأنك ، ويعنفك على أصغر الأخطاء ، ويرسم لك صورة للحياة التي يجب أن تكون عليها ليشعرك بنقص واقعك ، يخبرك أنك يجب أن تكون الأفضل فإذا فشلت في ذلك فأنت لا شيء . وهو يحاربك بترسانة من الواجبات لابد أن تقوم بها جميعاً ، ولا يحق لك الفشل أو التراخي في شيء منها .
شغله الشاغل أن يضعف تقديرك لذاتك . وهو يتغلغل إليك دون أن تتنبه إلى تأثيره ، ويحاول أن يجعل أحكامه عليك منطقية ومبررة . والمشكلة أنك تصدقه في أغلب الأحيان.

 

نشأة الناقد المرضي :
وينشأ الناقد المرضي من تجارب الطفل الأولى مع والديه ، لا سيما إذا فشل الآباء في التفريق بين " الذات ، والسلوك " ، فهو يرفض السلوك ، ويشعر الطفل أنه قد رفض ذاته ، فيستدخل في نفسه قوانين والديه ويتوحد معها ، ويرفض نفسه لظنه أنهم يرفضونه .
كما ينشأ من عدم اتساق الوالدين في القواعد والوصايا الأخلاقية التي يأمرونه بها ، مما يوصل إليه رسائل متعارضة .

 

مدعمات الناقد المرضي :
لاحظ أنك تدعم ناقدك المرضي لأنك تريد أن تشعر أنك مقبول من والديك وبدلائهما ، والناقد المرضي هو وريث كثير من نصائحهم . كما يساعدك ناقدك المرضي في الشعور بالإنجاز لأنه بتوبيخه الدائم لك يحفزك - وإن كان بصورة مرضية - على العمل والإنجاز . ولكنه يشعرك أيضاً بقلة القيمة ، ويجعلك تخاف من الفشل طيلة الوقت ، وتخشى الرفض من الآخرين لأنك تشعر في الأصل برفض الذات ، كما يصاعد من شعورك بالغضب من الآخرين ، كتصريف لاشعوري لغضبك من نفسك ، ويزيد من شعورك بالذنب لأنه يشعرك دائماً بأنك مخطئ .
وفي نهاية المطاف تجد نفسك محبطاً في الغالب ، لأنك لا تكاد تشعر بالنجاح والإنجاز إلا ويتلوه شعور بالذنب والتقصير .

 

تمارين للتعامل مع الناقد المرضي :
• تدرب على رصد ناقدك المرضي في لحظات يومك المختلفة ، واحمل مفكرة لهذا الغرض تسجل فيها اللحظات والمواقف التي شعرت فيها بحديث ناقدك المرضي معك . والتدريب على رصد ناقدك المرضي يزيد من وعيك به وحساسيتك له ، وهي الخطوة الأولى للعلاج من آثاره .
• ابحث عن أغراض ناقدك المرضي ودوافعه الخفية ، وهذه المرحلة تحتاج إلى مزيد من التركيز والدقة ، والصبر .
• رد على ناقدك بعقلانية بالبدائل الصحيحة .
• اجعل ناقدك المرضي عديم الفائدة ، وذلك بتلبيتك للرغبات الحقيقية لك ، والتي استثمرها الناقد المرضي في إيذائك ببدائل صحيحة تحقق هذه الرغبات .
التعاطف مع الماضي :
• اختر حدثاً من الماضي يستغله ناقدك المرضي .
• ابدأ في تذكر الحدث وأنت مسترخٍ ، تذكره بتفاصيله الكاملة ، بالوانه وروائحه وأصواته ، ثم توقف وسل نفسك : ما هي الحاجة التي كنت أحاول إشباعها ؟
• ما الذي كنت أفكر فيه في ذلك الموقف ؟
• ما نوع المعاناة أو الشعور الذي كان يؤثر عليَّ ؟
• بعد أن تستحضر الماضي بعمق ، وتجيب عن هذه التساؤلات بدقة ، سامح نفسك عليه ، وانتقل منه إلى المستقبل .

 

استثمار التخيل في زيادة تقدير الذات :
• وأنت في حالة استرخاء ( يحتاج الأمر إلى شرح مبسط عن الاسترخاء ) تخيل لحظات كانت مؤلمة لك ، وأعد النظر إليها بصورة أكثر تسامحاً .
• وأنت في حالة استرخاء تخيل مستقبلك كما تحب أن يكون ، اشعر به ، عش فيه ، وفكر كما لو كان قد حدث .

 

نماذج من تقبل الذات :
• قول يوسف عليه السلام " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " .
• قال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنا سيد ولد آدم يَوْمَ القِيَامَةِ، وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع} .
• قال رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم} .
قال عمر بن عبد العزيز : إن لي نفساً تواقة ، لقد رأيتني وأنا بالمدينة غلام من الغلمان ، ثم تاقت نفسي إلى العلم ، إلى العربية و الشعر ، فأصبت منه حاجتي، وما كنت أريد ، ثم تاقت نفسي في السلطان ، فاستعملت على المدينة. ثم تاقت وأنا في السلطان ، إلى اللبس و العيش و الطيب ، فما علمت أن أحداً من أهل بيتي ، ولا غيرهم ، كان مثل ما كنت فيه . ثم تاقت نفي إلى الآخرة والعمل بالعدل ، فأنا أرجو ما تاقت إليه نفسي من أمر آخرتي ، فلست بالذي أهلك آخرتي بدنياهم .

 

كيف تنشئ طفلاً أكثر تقبلاً لذاته :
• أول ما ينبغي إدراكه أن حاجة الطفل إلى الحب والتقدير ليست أقل من حاجته إلى الغذاء .
• كثير من مشاكل التقبل في المستقبل ناشئة عن سوء تقبل الوالدين للطفل .
• تجنب هذه الأساليب :
o القسوة والإيذاء الجسدي ، لا سيما إذا كانت ناتجةً عن تحويل " خطأ الطفل " إلى " جريمة " ، ثم عقابه بعقاب لا يتناسب مع حجمها ، ولا يدرك الطفل منه أكثر من الانتقام .
o السيطرة وفرض الرأي والتحكم دون تعويد الطفل على ذكر الأسباب والمناقشة العقلية .
o النبذ : بإيصال رسالة إلى الطفل مفادها "لست محبوبا ولا مرغوبا فيك " وقد يأخذ شكل "التقبل المشروط" حيث لا يعطى الطفل الحب والاهتمام والرضى إلا إذا سلك وفق ما يرغبه الوالدان فقط ، وهو من أكثر الأساليب شيوعاً وكأنما الأمر أصبح مقايضة بين الوالدين والطفل : "تصرف كيفما نريد وإلا سننبذك ونحرمك".
o المقارنة بالآخرين بغرض الحط من شأنه .
o التفرقة بينه وبين إخوته .
o التساهل في المعايير والقيم معه .
o الحماية الزائدة والتدليل .
• اتبع هذه الوسائل في التربية :
o استمع جيداً ، وبإنصات حقيقي ، لأبنائك .. مهما كانوا صغاراً ، وعود نفسك على سماعهم قبل الحكم عليهم .
o أفش ثقافة الحوار في بيتك بين الجميع ، وعودهم على البحث عن الأسباب العقلية للقرارات المتخذة .
o التقبل غير المشروط للأبناء : ولا يعني ذلك السكوت عن الخطأ ، وإنما التفرقة بين " الذات " و " السلوك " فالذات مقبولة على كل حال ، والسلوك يعالج بحسب صحته أو خطئه ، ولا يعني " تعديل السلوك " " رفض الذات .
o الطفل يصاب بالتخمة من كثرة الطعام ، ولكنه لا يصاب بالتخمة من زيادة الحب !! أفض على أبنائك من مظاهر الحب بما تستطيع.
o راع الفروق الفردية بين أبنائك ، ولا تحمل شخصاً منهم على طبيعة شخص آخر .
o تحمل انفعالات أبنائهم ونواقصهم المرحلية ، ولا تحاسبهم بأعلى مما يستطيعون تقديمه .
o فَعِِّل إمكانات أبنائك برفق ، من خلال توفير البيئة الملائمة للإبداع .
o استخدم التعزيز الإيجابي للسلوك المحبب ، وتعود على مدحهم إن أحسنوا ، والتنبيه إلى " خطأ سلوكهم " إن أساءوا .

 

 

 

محمد محمد فريد
 
سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.