رفقًا بنا أيها العملاق
بينما كنت منهمكاً في انجاز أعمالك فإذا برئيسك يدخل غاضباً لخطأ وقعت فيه، وحين رفعت عينيك لتخاطبه وجدت رجلاً لا كالرجال وإنما عملاق بما تحمله الكلمة من معنى، عظيم المنكبين ضخم الجثة، تبدو أمامه بحجم طفل رضيع، تصلك كلماته كقصف الرعد.
كيف سيكون حالك؟
وهل ستتمكن من الإجابة أو الرد عليه؟
أعتقد أن الجواب ليس بالنفي فقط وإنما قد يصل الحال إلى إغماءة أو سكتة قلبية.
هذه هي الصورة الحقيقية لما يشعر به الصغار حين ينهرهم الكبار، صمت حزين بائس يصيبهم نتيجة شعور بالرعب والهلع ممن يخاصمهم أو ينهرهم، ورغم هذا الضعف المتناهي نزيد عملقتنا باتهامهم بسوء الأدب وعدم الاجابة على اسئلتنا أو الاعتذار.
ولذلك ينادي علماء التربية بضرورة الجلوس عند محادثة الاطفال ليكون المتحدث بمستوى متقارب من الطفل حتى يشعر بالاطمئنان ويتمكن من التفاعل والاتصال.
وليس الأمر مقتصراً على الصغار فقط بل كل من كنا اكثر منه مالاً ومكانة ومنصباً، فكما ان الصغير لا يستطيع الدفاع عن نفسه خوفاً من العملاق الذي يحدثه يخشى العامل أو الموظف- في القطاع الخاص- من النقاش وإن كان محقاً خوفاً من خسران وظيفته، وكل ذي حاجة يكتم غيظه مضطراً ولا يجد له مخرجاً سوى الصمت حرصاً على حاجته.
وبينما يزدادون ضعفاً وقهراً يزداد العمالقة ضخامة ظناً منهم انهم على حق وان لهم من الهيبة والمكانة ما ليس عند غيرهم.
وليست الخطورة في اختلاف هذه الموازين فقط وانما ما يتبعها من عواقب، فالصمت قهراً كحمم بركانية مأسورة ما تلبث ان تنفجر فلا يكون لمداها حدود.
وما نقرأه على صفحات الجرائد كل يوم من صور متعددة للعنف في مجتمعنا أحد اسبابها الشعور بالتحقير والازدراء وامتهان كرامة الفرد.
وان كانت هذه الاسباب وغيرها لا تبرر العنف إلا أننا نحتاج لوقفة صادقة لمحاربة عملقة البعض لذواتهم وازدراء من هم دونهم من خلال احترام الآخر لانسانيته طفلاً كان أو راشداً رئيساً او مرؤوساً.
فكل ما يُراد يمكن تحقيقه وكل ما يُطلب يمكن انجازه وكل خطأ يمكن تصويبه ولكن بالرفق وحسن القول.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه» وقد حث الله سبحانه رسوله الكريم على اللين والرفق وهو الذي تكفل بنصره ولو كان وحيداً بقوله: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر» آية 159 سورة آل عمران
ريما الهويش