الأطباء النفسانيون ... هل يحق لهم إفشاء أسرار مرضاهم؟
من الصعوبات التي تواجه الطبيب النفسي، هو أن يطلب منك شخصاً أو عائلة معلوماتٍ عن أحد مرضاك ، بالطبع يختلف الأمر إذا كان من يطلب المعلومات عائلة (الأب والأم والأخوان والأخوات) لفتاةٍ يرُيد أحد مرضاك الزواج منها؟ هل تُعطيهم المعلومات كاملة أم تعتذر أو تُعطيهم معلوماتٍ بسيطة؟.
هل من حق الفتاة أو المرأة المُقبلةً على الزواج من شخص يتعالج لديك أن تعرف كل التفاصيل الدقيقة عن هذا الشخص الذي تقّدم لخطبتها؛ بمعنى أنها تُريد أن تعرف التشخيص والأعراض ومآل المرض والأدوية التي يتناولها ومدى تأثير هذه الأدوية وهل هي أدوية مُخدرّة وماهي أعراضها، وهل تؤثر على العلاقة الحميمة..الخ.
هل يحق لك أن تُعطي هذه المعلومات دون أخذ رأي المريض، أم تطلب رأي المريض، وإذا رفض المريض هذا الأمر، فما العمل؟
هل ترمي الكرة في ملعب العائلة وتطلب منهم أن يستأذنوا من المريض وعلى المريض أن يحضر اليّ شخصياً للمناقشة في موضوع ما مدى المعلومات التي يُريد المريض إعطاءها للفتاة ولأهلها.
إذا جاء المريض ورفض طلب أهل الفتاة التي خطبها، في معرفة مرضه النفسي بتفاصيله كاملة، وإنما يُكتفى بإعطائهم التشخيص فقط.
في هذه الحالة إذا أعطيت أهل الفتاة المخطوبة تشخيص المريض، وقلت لهم بأن المريض رفض إعطاء أي معلومات عن مرضه وإنما أكتفى بإعطاء التشخيص، وليس أكثر من ذلك، خاصةً مثلاً إذا كانت المشكلة تعاطي مخدرات أو إدمان على الكحول.
بعد الزواج
إذا كان الموضوع يتم أثناء الخطبة قبل الزواج، فعندئذ أسرة الفتاة والفتاة نفسها يحق لهم رفض الخطِبة. لكن المشكلة إذا كان الموضوع بعد الزواج وكان هناك أطفال. وقد تزوج الزوج بالمرأة دون أن يعرف أحداً من أهل الفتاة أو الفتاة نفسها بأنه من سوف تتزوجه يُعاني من مرضٍ نفسي، وأكتشفت بعد ذلك بأن زوجها يُعاني من مرض نفسي يؤثر على سلوكياته سلباً في حياتهما الزوجية، فعندئذ يُمكن للمرأة اللجوء للقضاء.
وإذا طلب القاضي تقريراً طبياً من الطبيب النفسي، فالمحكمة (أو القاضي) من الجهات التي يُسمح لها قانونياً بأخذ معلوماتٍ من الطبيب النفسي حسب الأسئلة التي يسألها القاضي.
إذا طلب القاضي تقريراً طبياً مُفصلاً عن حالة المريض فعندئذ يكتب الطبيب تقريراً طبياً عن المريض بصورةٍ مفُصلة ؛ أي أن يُكتب تقريراً عن التشخيص وشرح للمرض والأدوية التي يتعاطاها المريض، لكن لا يكتب عن هل المريض يصلُح أن يكون زوجاً وهل يحق لزوجته الإنفصال عنه بناءً على هذا المرض، فهذا إذا لم يكن وارداً في طلب القاضي فلا يذكرها الطبيب، أما إذا طلب القاضي تأثير هذا المرض على الزواج من ناحية تضرر الزوجة، وهل الأدوية التي يتعاطاها المريض النفسي تؤثر على حياته من جميع جوانبه؟ في هذه الحالة فإن الطبيب يكتب تقريراً عن تأثير المرض على الحياة الزوجية، مثلاً إذا كانت الزوجة تتضرر من شكوك مريض يُعاني من اضطراب البارانويا (أي اضطراب الشكوك المرضية). فالمريض الذي يُعاني من شكوك مرضية، بحيث يشك في أي سلوك لزوجته، أو أحياناً يفُسّر أحداثاً عادية بصورةٍ مُريبة ويبني عليها مواضيع غريبة تضر بالزوجة، فسواءً كان هذا المريض مُصاباً بمرض الاضطرابات الشكوكية أو مرض الفُصام الزوراني أو الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب، وكانت المرأة مُتضررة من أعراض مرض زوجها ولا تستطيع العيش معه بسبب هذه السلوكيات التي تكون نتيجة المرض النفسي أو العقلي الذي يُعاني منه الزوج.
إذا كانت الأدوية التي يستخدمها المريض تؤثر على حياته الجنسية مثلاً أو تجعله خاملاً معظم الوقت، وترى الزوجة أنها مُتضررة من الأعراض الجانبية للأدوية فإن من حق القاضي أن يحكم بما فيه المصلحة العامة، على أن يكون هنا رأي الطبيب هو رأي خبير شاهد، وللقاضي أن يأخذ برأيه أو يرفضه. فحكم القاضي يعتمد على أمورٍ كثيرة غير تقرير الطبيب النفسي، ورأي الطبيب النفسي ليس سوى رأي شاهد بخبرته العلمية والطبية.
لكن هناك جوانب آخرى من حياة الزوجين ؛ الأطفال وماهو مصيرهم، هل الأفضل أن يعيشوا مع والديهم، إذا كانت الأم ترى أن الأب جيد في تعامله مع أطفاله والوضع المالي للأسرة إذا كان مرض المريض لا يؤثر على قدراته المالية، وماذا سوف يحدث للعائلة إذا أنفصل الأب ورفض الصرف على أبنائه. إن هناك مناحي مُتعددة يراها القاضي مجتمعة، بينما الطبيب النفسي لا يرى سوى المرض النفسي وأعراضه والأدوية التي يصفها للمريض وأعراضها الجانبية، وقد تكون جزءاً من القضية ولكن المرض النفسي ليس كل القضية في حالات الخلافات الزوجية.
عندما يكون الأمر مُعاكساً، فتكون المريضة فتاة أو سيدة، ويأتي شخص ليسأل عنها لأنه يُريد أن يتزوجها ولكنه علم بأنها مريضة نفسية تتعالج في عيادتك وأنه يُريد أن يعرف نوعية المرض، أي التشخيص والأعراض وماهو مصير المرض ؛ هل ستُشفى منه أم إنه مرض مُزمن؟ وماهي الأدوية التي تستخدمها وماهي الأعراض الجانبية لهذه الأدوية. غالباً ما يأتي الرجال الذين يُريدون أن يتزوجوا مريضات نفسيات بأنفسهم إلى العيادة وتكون الفتاة أو السيدة التي يُريد الزواج منها هي من أرسلته لك، مع توصية مُبطنة بأن تحاول - كطبيب نفسي - أن تُخفف من الموضوع وتُقنع الخاطب بأن الأمر عادي، ولا ضرر من الزواج، وإن الأدوية التي تستخدمها أدوية عادية وليس لها أعراض، إلى ما هناك من محاولات من المريضة بأن تُساعدها في إكمال الزواج ، قد تقول للخاطب عن المرض ؛ اسمه وأعراضه والأدوية التي تتناولها الفتاة أو السيدة التي يُريد الزواج بها.
للأسف البعض لا يفهم جيداً معنى المرض النفسي، خاصةً إذا كانت الفتاة التي يُريد أن يتزوجها مثلاً ثرية أو أبنة عائلة كبيرة معروفة، يطمع من وراء هذه المصُاهرة بفوائد اجتماعية وغير ذلك من مناسبة عائلةٍ ثرية ومعروفة. لكن المشكلة تكمن عندما يكون مرض الفتاة أو المرأة التي يتزوجها الرجل من الأمراض المُزعجة والتي يُصعب العيش معها، ويقدم الرجل على الزواج من تلك المريضة وبعد فترةٍ يشعر بأنه أرتكب خطأ كبيراً، ويلجأ إلى الطلاق بعد أن يكون قد رُزق بطفل أو أكثر وحاول التحّمل بكل أنواع السلوكيات التي يراها تُساعد على التخفيف من حدة أعراض المرض، ولكن يجد بأن جميع محاولاته باءت بالفشل، وهنا يلجأ الزوج إلى الطلاق، فالبنسبة للرجل الأمر ليس صعباً، فهو الذي بيده العصمة ويستطيع أن يُطّلق دون أن يعترض أحداً عليه أو أن ترفض الزوجة الطلاق، فهذا غير وارد.
المشكلة أن الطبيب النفسي أحياناً يقع في مشاكل وإحراجات، ويكون في وضعٍ لا يُحسد عليه في مثل هذه المشاكل الزوجية، حيث أحياناً يضطر إلى إفشاء بعض الأسرار الطبية تحت ضغوطات القضايا الزوجية وهذا أمرٌ ليس سهلاً على الطبيب أو على المرضى الذين تحدثّوا له في ظروفٍ لم يتوقعوا أن يأتي وقت يضطر الطبيب لأن يتحدث عن هذه المعلومات حسب القانون.
د. إبراهيم حسن الخضير
جريدة الرياض 27 فبراير 2009