هل أنت واثق من نفسك ؟
قد تكون هذه المقالة طويلة ولكني أتمنى أن تقرؤوها كاملة فالموضوع مهم .. والآن دعونا نبدأ باسمه تعالى ؛ فلا ريب أن الثقة بالنفس هي سر من أسرار النجاح , كما أنها تعتبر أهم عوامل التفوق والتميز وتحقيق الأهداف وبلوغ أعلى المناصب الوظيفية وأعلى مراتب المجد والشهرة.
-يقول علماء النفس: إن الثقة بالنفس تتكون من قبولك و حبك لذاتك (بعيداً عن الأنانية) ومن قدرتك الشخصية على إنجاز تعهداتك ووعودك وأعمالك ومسؤولياتك سواء تلك التي تعهد إليك ، أو الأعمال التي تقوم بها طواعية لخدمة البشرية ، بالإضافة إلى التكيف والتفاعل مع المجتمع محققاً بذلك الانسجام والألفة بينك وبين مجتمعك .
-الشخص الغير واثق من نفسه ليس لديه أي هدف في الحياة, فهو متردد لا يتخذ أي قرار يرفع من شأن نفسه و شأن أسرته ومجتمعه يعيش في خوف من الفشل والمجهول ولذلك فهو يترك الحياة تخطط له بدلاً من أن يخطط لنفسه.
-مَثل الشخص الغير واثق من نفسه كمن يسير على غير هدى ليس له هدف ، ولا يعرف أين يذهب و لا يعرف إلى أين ستأخذه الرياح , فيتخبط داخل قارب صغير في ظلام دامس وسط بحر هائج الأمواج تارة تضربه يميناً وتارة تضربه يساراً فيعيش مهدداً في أي لحظة بانقلاب قاربه وضياع حياته .
أما الشخص الواثق بنفسه فهو قادر على تحقيق أحلامه ، والرؤية واضحة أمامه ، فهو نفسه قبطان سفينته التي يقودها إلى الشاطئ بأمان فيعرف هدفه ويكتبه لكي يعمل على تحقيقه وبذلك يسير إلى هدفه كل يوم ولو بمقدار 10سم.
-الشخص الواثق بنفسه مؤمن بالله و مؤمن بنفسه و بأهدافه و بقدراته الغير محدودة ، يعرف من هو الشخص الذي يسعى أن يكونه في المستقبل , و يعرف إمكاناته الجبارة التي وهبها الله له لكي يحقق أهدافه المرجوة .
كيف تعرف الشخص الواثق من نفسه:
عندما يقوم الإنسان بمجموعة متكاملة من حركات وأفعال وأقوال تصدر عنه عن يقين تام ، واطمئنان ورضا داخلي ناجم عن قناعاته وأفكاره وقيمه ومبادئه , عندها نقول عن هذا الإنسان أنه واثق بنفسه.
صفات الشخص الواثق من نفسه:
• يضع أهدافاً نصب عينيه ليحققها, فيعمل من أجلها ليلاً نهاراً .
• يبادر بالسلام والتحية عندما يقابلك, ويصافحك بحرارة و ترحاب ويشعرك بالتقدير والاحترام.
• تكون مخارج الحروف لديه واضحة عندما يتكلم و لا يتلعثم أو يتراجع, فيصدر الكلام عنه بسلاسة وعذوبة بالغة.
• صوته مسموع ليس بخجول أو متردد أو خائف .
• مرفوع الرأس والصدر ومستقيم المنكبين عندما يمشي، وحركات جسده تتلاءم مع مشيته : " واثق الخطوة يمشي ملكاً".
• يؤثر في الآخرين منذ أول 18 ثانية .
• بشوشاً ومبتسماً ومنبسط الوجه والأسارير دائماً.
• يستخدم لغة الجسد و الإيماء بنجاح، لكي تعبر بنجاح عما يود قوله، و لكي تعطي انطباع رائع .
• يلفت الأنظار أينما ذهب بثقته بنفسه، وإيمانه بمبادئه، وبالتعبير الواضح عن نفسه.
• لا يندم أبداً عما يصدر منه من أقوال أو أفعال نتيجة لاتصاله بالآخرين.
• يتقبل النقد البناء برحابة وسعة صدر.
• يتصرف بحكمة في المواقف الحرجة.
• متفائل و يشيع روح التفاؤل والأمل والحب من حوله.
• لديه أحلام و طموحه لا ينته، واثق من قدراته ومن أنه سيحقق أحلامه وطموحاته.
• يعمل بناءً على خطة واضحة ومدروسة ومنظمة.
• يشكر الآخرين ويقدر جهودهم.
• و أخيراً فإن الشخص الواثق من نفسه ناجح في كل شيء .
الثمرات التي يجنيها الشخص الواثق بنفسه :
إن الواثق بنفسه يحصل على عدة أمور إيجابية منها:
• السعادة والرضا النفسي، إذ يشعر الواثق بحقه في السعادة فيطلبها و ينالها.
• النجاح, فالواثق تنحاز له الدنيا ويعطيه العباد والبلاد.
• حب الآخرين له والصداقة والأخوة الحقيقية من قبل الآخرين وللآخرين.
• الإنجاز وتحقيق الأهداف الشخصية والعامة.
• الريادة والعطاء في المجتمع سواء وظيفياً أو اجتماعياً.
• الجسد الصحيح إذ أن الجسد والعقل يعملان بانسجامية ؛ فمتى ارتاحت النفس أو ارتاح العقل عمل الجسد بكامل قواه وعملت أجهزته الدفاعية والمناعية والنظامية التي خلقت من أجل مقاومة أي مرض.
بالمقابل فإن الشخص غير الواثق من نفسه يتصف بمايلي:
1- لا يشعر بأنه يستحق العيش بسعادة أو العيش بنجاح: هو يشعر أن السعادة من نصيب آخرين أكثر منه نجاحاً أو أفضل منه مكانة، أو يشعر أن النجاح من نصيب آخرين كافحوا منذ الصغر، أو قد يشعر بأن أحداً لا يستحق السعادة والنجاح بتاتاً .
2- غير الواثق لا يقدر نفسه: هو في أعماق نفسه لا يحترم نفسه، و يلوم نفسه على اجتهادات وقرارات خاطئة في حياته، ولربما استمر في تأنيب نفسه على حادثة كانت في الماضي.
3- غير الواثق يهتز أو يتأثر من أقل نقد أو إحباط يأتي من الآخرين: فيومه سلسلة من الإحباطات.
4- غير الواثق متردد و شكاك: لديه قناعات و أفكار سلبية تجاه الحياة والمجتمع والناس، فهو يتردد كثيراً في اتخاذ القرارات، كما أنه يحمل فكرة مشوشة عن الناس والمجتمع ، وبالنتيجة فهو كثير النقد والغضب و التذمر.
5- غير الواثق لديه نظرة ضيقة عن الحياة و الرزق: فكلما رأى إنساناً ناجحاً شعر بالنقص، وكأن النجاح ينقص كلما نجح آخر. وهذا الضيق هو أحد صوره السلبية اليومية المتكررة.
6- غير الواثق أيضاً يخاف من تحمل المسؤولية: إذ أنه لا يرى نفسه أهلاً لها. وهذه النظرة لنفسه تجعله يتهرب من المسؤوليات. فهناك كثيرون في العالم أهل لتحمل المسؤولية وتقلد المناصب وصعود سلالم القيادة , ولكن ثقتهم بأنفسهم ضعيفة لذلك تراهم في صدود عن المسؤولية.
7- غير الواثق لا يعي ما حوله من الأحداث: لأنه إما أن يكون منهمكاً في شيء أو أمر معين متجاهلاً ما حوله تعمداً، أو أنه من السذاجة بحيث أنه يغفل عما حوله. في كلا الحالتين الشخص يكون في محل ضعف، لأن الذي لا يعي ما حوله يقع في مشاكل كثيرة و تفوته فرص عديدة.
8- غير الواثق ليس لديه أهداف واضحة: فهو يسير في الدنيا والحياة وفق معادلة الصدفة. والشخص الذي ليس لديه خطة مكتوبة واضحة هو في الغالب يعمل لتحقيق خطط الآخرين. ولأنه يسير على خطا غير واضحة فهو متردد.
وبعد كل هذا ما هو السبب الذي ينشئ هذا اليقين بالثقة وبالتالي إحراز النجاح ؟
ما الذي ينشئ هذه القوة اليقينية لتحقيق النجاح و الإصرار بثقة؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن يتحلى الإنسان بما يلي:
1. عمق الرسالة : إن لكل إنسان على وجه الأرض رسالة عظيمة جاء من أجلها، ومن المؤسف أن أكثر الناس يرحلون دون أن يكتشفوا حتى رسالاتهم في الحياة ! إن الرسالة في عمقها عظيمة، وهي بدورها تحرك العمل و الجد و الاجتهاد عند العظماء, وإن وراء كل عظيم رسالة خفية أو معلنة تحركه, وإن من لا يدرك رسالته في الحياة قد يسير في خطا متعبة وخاطئة ومؤذية له و لغيره.
2. قوة الحب أو الكراهية: إن الحب والكراهية محركان عجيبان يمتلكان من الطاقة القوية ما قد يبني مجداً أو يهد جبلاً ! وإن الانتقام والغضب والعصبية والثأر ينطلقون من طاقة الكراهية القوية.
3. القناعات: القناعات تنشئ اليقين من العدم, فتخيل أن شخصاً مقتنعاً بأن لا سعادة في الحياة أبداً، هل سيسعد؟ تخيل أن شخصاً يعتقد أن النجاح ضربة حظ تحالف شرائح معينة من الناس، فهل سينجح؟ إن القناعات قوة مدمرة أو معمرة, وكل عمل عظيم في الدنيا وراءه قناعة قوية لأن القناعات بمثابة محرك فعال للدافعية و هي من مراحل اليقين.
4. الرغبة : كثيراً ما تدعم دافع اليقين عند الناس تلك الرغبة التي في داخلهم. يجب أن تكون الرغبة أكيدة، وعلى قوتها يأتي التحرك و الدافع؛ فالرغبة أول مراحل العمل والإنجاز. ومعادلة الإنجاز كالتالي:
5. (الإنجاز = الرغبة + الوعي + العمل + العزيمة ), فأي إنجاز صغيراً كان أو كبيراً يجب أن يبدأ برغبة في تحقيق ذلك. ونجد أن من لا رغبة له في تحقيق أمر ما فسوف لن يسعى إلى تحقيقها، وعند وجود الجهد سيجد الأعذار لعدم تحقيقها.
6. رؤية واضحة : إن الشخص الذي يريد أن يكون قوياً على سبيل المثال سوف يعمل وفق قوانين القوة الصحيحة. وإن من يريد أن يكون سعيداً فسوف يتعلم أسس السعادة، وكيف يجنيها، ويسعى لتحقيقها، بينما من يريد أن لا يكون قلقاً فإنه ينتظر أن يتوقف القلق عنه! والسعيد مكافح ومجد رغم أنه يأخذ الأمور ببساطة ويتمتع في أعماله الجادة، بل ويخطط لمتعته. وإن الرؤية الواضحة تجعل من الشخص كالذي يسير في سيارته وهو يعرف مساره ونقطة هدفه التي يريد أن يصل إليها.
7. التركيز: من صفات الشخص المتيقن من طريقه قوة تركيزه. إن أغلب الناس ليس لديهم تركيز، فهم مشتتون! يمكنك أن تشغل معظم الناس في أمور لا تمس حياتهم ولا تنفعهم بأي شيء. وهناك أناس يجلسون أمام شاشة التلفاز 12 ساعة ! . و نجد في الحديث (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) خير مثال على أهمية التركيز على العمل وتنفيذه وفق الجودة المطلوبة.
8. قوة الاتصال مع الآخرين : يحسن الناجحون الواثقون تطبيق مفاهيم الاتصال مع الآخرين، فهم يدركون أنهم يتعاملون مع بشر و أن البشر لديهم مشاعر وأحاسيس متنوعة ومختلفة، وأن الاتصال مع الآخرين يتطلب تفهم الآخرين و رغباتهم، و يتطلب حسن الاتصال معهم؛ لأن النجاح لا يمكن أن يتحقق بجهد فرد واحد فقط. فالنجاح عملية جماعية وليست فردية. وإن ذلك يتطلب أن يتعلم الإنسان فنون الاتصال مع الآخرين و تطبيقها.
الآن ثق بنفسك وادخل التحدي ....
كل إنسان مُصر على هدفه سيحقق مطالبه في النهاية وإليك الأمثلة التالية:
- أصر توماس أديسون على أن يولّد النور من الكهرباء ونجح بعد آلاف المحاولات غير الناجحة.
- أصر دونالد ماكدونالد في الخمسينات أن يبني مطعماً للوجبات السريعة فنجح نجاحاً باهراً نجاحاً لم ينجح أحد قبله فيه.
- كولونيل ساندرز الكبير ذو اللحية البيضاء أصر على أن يبيع خلطة كنتاكي للدجاج فصارت مطاعم كنتاكي تملأ الدنيا اليوم.
- فريد سميث أصر على فكرة توصيل حاجتك بالبريد في خلال 24 ساعة، رغم اعتراض كل الاقتصاديين والخبراء على الفكرة التي اعتبروها سخيفة، ثم نجح و أصبحت شركة فيدرال اكسبرس من أكبر الشركات العالمية ربحاً في العالم ، و تملك اليوم الطائرات والسيارات والموترات وتوظف عشرات الآلاف من الأشخاص.
- بيل غيتس، أغنى رجل في العالم بلا منافس، الذي تقدر ثروته بثمانين مليار دولار، كان مهندساً في شركة أي بي أم قبل عقدين من الزمن.
- مليتون أركسون المعالج الذي طوّر علم التنويم إلى الأبد كان عاجزاً عن تحريك أي جزء من جسمه.
- أندرو كارنيجي الذي كون أكبر ثروة في عصره ( ألف مليون دولار) من الفولاذ كان في بداية أمره عاملاً في منجم.
لذلك كله فإن المصر في الخير أو في الشر في الحق أو في الباطل يصل إلى مبتغاه في النهاية، غير أن الشر والباطل ينهزمان بعد ذلك.
ما الذي ينشئ اليقين والثقة بالنفس ؟
سؤال مهم هنا يطرح نفسه بعد ذكر هذه النجاحات لأشخاص، سواء كانوا إيجابيين أو سلبيين، وهو ما الذي ينشئ هذه القوة اليقينية لتحقيق النجاح و الإصرار بثقة؟.
لا تبك على فائت
يروي (( سوندرز)) مدرس الصحة بكلية (( جورج واشنطون)) درساً قد تعلمه و لن ينساه أبداً، فيقول:
(( لم أكن بعد قد بلغت العشرين من عمري و لكني كنت شديد القلق حتى في تلك الفترة المبكرة من حياتي، فقد اعتدت أن أجتر أخطائي ، و أهتم لها هماً بالغاً.
وكنت إذا فرغت من أداء امتحان ما و قدمت أوراق الإجابة, أعود إلى فراشي فأستلقي عليه، و أذهب أقضم أظافري و أنا في أشد حالات القلق خشية الرسوب، لقد كنت أعيش في الماضي و فيما صنعته فيه ، و أود لو أنني صنعت غير ما صنعت ، و أفكر فيما قلته من زمن مضى ، و أود لو أنني قلت غير ما قلت- وكل ذلك كان يتم بطريقة سلبية حيث كنت دائماً أضع اللوم على نفسي-...
ثم إني ذات صباح دخلت الفصل و زملائي الطلبة، و بعد قليل دخل المدرس ـ السيد براندوين ـ و معه زجاجة مملوءة باللبن و ضعها أمامه على المكتب و تعلقت أبصارنا بهذه الزجاجة ، وانطلقت خواطرنا تتساءل : (( ما صلة اللبن بدروس الصحة ؟ )) و فجأة نهض المدّرس ضارباً زجاجة اللبن بظهر يده فإذا هي تقع على الأرض و يراق ما فيها ، و هنا صاح السيد براندوين : (( لا يبك أحدكم على اللبن المراق )) .
ثم نادانا الأستاذ واحداً واحداً لنتأمل الحطام المتناثر و السائل المسكوب على الأرض ، ثم جعل يقول لكل منا:(( انظر جيداً إنني أريد أن تذكر هذا الدرس مدى حياتك ، لقد ذهب اللبن و استوعبته البالوعة ، فمهما تشد شعرك ، و تسمح للهم و النكد أن يمسكا بخناقك فلن تستعيد منه قطرة واحدة .
لقد كان يمكن بشيء من الحيطة و الحذر أن نتلافى هذه الخسارة و لكن فات الوقت، و كل ما نستطيعه أن نمحو أثرها و ننساها ثم نعود إلى العمل بهمة و نشاط)).الى متى سنبقى نسرد أحزان الماضي و مآسيه ؟ماذا سنستفيد ؟أما آن لنا أن نضع حدا لهذا ونرفع رؤوسنا ونتطلع للأمام ؟أما آن لنا أن ننطلق ؟أما آن لنا أن نحقق ما نريد ؟أما آن لنا أن نلحق بالركب ؟هل سنبقى متفرجين ؟ الى متى ؟أرجوك لا تبقى متفرجا بعد اليوم ..نحن أمة "إقرأ" وليست هذه مكانتنا بين الأمم .أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفيدنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن يلهمنا الثقة بأنفسنا وبه سبحانه و يوفقنا لتحقيق أهدافنا جميعا تحت ظل هدف اسمى هو رضاه عنّا .
والصلاة والسلام على خير البشر إمام الهدى محمد صلى الله عليه وسلم
رامي