الثقة المفقودة - كيف نستعيدها ؟!!

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الجمعة, يونيو 12, 2015 - 12:51

دارت فى ذهنى بعض الخواطر وأنا فى طريقى لشراء بعض الأغراض الخاصة بالسباكة التى تلفت نتيجة سوء الصناعة والتركيب ، ونتيجة لفقدى الثقة فى الكثير من العاملين فى هذا المجال فإنى أحاول أن أقوم باصلاح ما أتلفوه بنفسى . ولهذا الاعتماد على النفس ضريبته الواجب سدادها ، أو فاتورته اللازم دفعها ، فأنا أجرب ، وأفشل فى العديد من المرات ، ويصيبنى فى بعض الأحيان الإحباط ، وأفقد هدوئى ، وأعيش لحظات القلق ، وربما أقترب فى الكثير من الأحيان من حالة اليأس . ففى كل عمل أحاول أن أقوم به بنفسى كما هو حال الكثير من أمثالى الذين يعيشون فى الدول المتقدمة فأكون كصانع مبتدأ ، أو كصبى الحرفى كما هو الحال فى بلداننا . أقع فى الخطأ مرة بعد أخرى وقد أتلف ما قمت بشرائه ، لأسمع من بعض المعارف مقولة نكررها كثيرا " اعط العيش (الخبز) لخبازه ولو أكل نصفه " معنى هذا أن ألهث وراء الخباز أقصد الحرفى ، لكى يقوم بالإصلاح ، حتى لو كنت أعرف أنه سوف يبتذنى ، ويأخذ منى ضعف ما يستحق ، وليته يتقن ما يقوم به كما يفترض المثل الشعبى الرائج ، لكنه ينهى عمله وبه من العيوب ما به ومن الأخطاء ما لا يمكن حصره. وأعجب كثيرًا من هذا الحال فى مجتمع تحث عقيدته ، وتراثه على اجادة العمل وإتقانه ، وليس أدائه فحسب، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" [السلسلة الصحيحة]، وقال أيضًا: "إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء" [مسلم]. والغريب فى الأمر أن هذا الحرفى يؤدى الفرائض ، وبعض السنن والنوافل ، وهو يعتقد أنه بهذا قد أدى ما عليه تجاه الخالق ، ونسى الركن الثانى ، وهو العمل واتقانه ، اذ أن الإنسان المسلم يفترض فيه أن تكون شخصيته إيجابية، مقبلة على الحياة، متفاعلة معها، وبما أن الإنسان المسلم مطالب باستيفاء شروط الخلافة في الأرض والسعي في مناكبها عبادةً لله، وإعمارًا للأرض، واستفادة مما فيها من ثروات وخيرات فلن يصل إليها إلا بالعمل والعمل الجاد. لذلك كانت مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتقن الإنسان عمله. فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة ؛ فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنية العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. (الأنعام: 162-163).

والإتقان في المفهوم الإسلامي ليس هدفا سلوكيا فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون، وتثرى الحياة، وترتقى ، ثم هو قبل ذلك كله هدف من أهداف الدين يسمو به المسلم ويرقى به في مرضاة الله والإخلاص له؛ لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه، وإخلاص العمل لا يكون إلا بإتقانه. 
ولعل الشائع الآن فى سلوك الناس ، سواء كانوا من الحرفيين أم من غيرهم هو أهم عامل من عوامل التخلف التى تعانيها الكثير من المجتمعات الإسلامية الآن ، فقد نسى الناس أو تناسوا قيم دينهم الحنيف وأخذوا بالشكليات ، واتسمت سلوكياتهم بالنقيض حيث عمت الفوضى وساد التسيب وفقد النظام وانعدمت المبالاة بقيمة الوقت واختفى الإحساس الجمعي وتكرثت صنوف الإهمال والغش والخديعة، وفقد المسلمون الثقة في كل شيء ينتج في بلادهم وزادت ثقتهم فيما ينتج في غير بلاد المسلمين فهذا يابانى وذاك ألمان وتلك منتجة فى أمريكا ، أو حتى تايوان أوكوريا ، وتجاهلنا أن صفة الإتقان وصف الله بها نفسه لتنقل إلى عباده }صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (النمل: 88). فما الذى أدى بنا الى هذا الحال ؟
هذا حديث يطول شرحه فالى لقاء قريب لنصل ما انقطع من حديث .

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.