لماذا يفكر الإنسان في الموت اختياراً...؟!

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 8, 2015 - 08:35

شابُ عمره (24 سنة) في السنة الخامسة بكلية طب إحدى الجامعات العربية، متزوج، وحيد أبويه، ذكي، وسيم، على خلق، ملتزم دينيا، (هكذا وصفه أساتذته، وزملاؤه في الدراسة)... يقدم على الانتحار ... الكل يفغر فاه (لماذا؟؟ وكيف؟؟ غير معقول!!) ... لمْ تُجرَ أي دراسة متعمقة للحالة حتى من الناحية الجنائية؟؟ بسبب رفض الأسرة لذلك ومن ثم قدم التفسير الوحيد للقضية المتمثل في (أنه متزوج من فترة ولم ينجب أطفالاً...؟؟).

شابة أُدخلت للمستشفى على خلفية محاولة انتحار بالسم، وبعد أيام (قليلة) من دخولها للمستشفى يطلب أهلها إخراجها من المستشفى، فيوافق الطبيب بكل سهولة على إخراجها (يسأل احد أفراد الأسرة الطبيب هل كانت جادة في الانتحار، وهل ستكرر المحاولة؟؟ ... يجيب الطبيب هذا (دلال، ... فتيات فهن يقمن بذلك لجذب الاهتمام لا تخافوا ولا تهتموا كثيراً ...) وكان الحوار على مرأى ومسمع من الفتاه ... تخرج الفتاة من المستشفى، وبعد أيام قليلة يتحول عيد الأضحى في حياة هذه الأسرة إلى مأساة لأن الفتاة فعلا نفذت ما لم تفلح في تنفيذه في المرة السابقة فانتحرت بحرق نفسها.

معلمة لغة انجليزية بلغت مرتبة الموجهة في مادتها، متميزة في عملها متزوجة ولديها ولدان في سن الشباب، تٌقدم على رمي نفسها من الطابق السابع في العمارة التي تسكنها، وبعد فتح التحقيق يتم توجيه أصابع الاتهام للمرض النفسي؟؟
ما هو المرض النفسي؟
الإجابة : المرض النفسي فقط؟
هكذا أُغلق ملف إنسانه قررت واختارت الموت؟؟

القاسم المشترك الأبرز في موقف المجتمع من الثلاث القضايا السابقة هو الهروب من المسؤولية؟ هروب المجتمع من فهم الحقيقة، وفهم معنى، وجدية وخطورة أن يقول الشخص أي شخص: أكره نفسي، أفكر في الخلاص من نفسي، سأقتل نفسي لا محالة؟؟ وفعلا في بعض الحالات يصدق التهديد، والوعيد؟ وعندما يقع الفأس في الرأس يكون الهروب من توزيع المسؤولية، والهروب من عدالة الأرض، بتقييد القضية ضد مجهول؟ تارة ضد المرض النفسي، وتارة أخرى ضد الفرد المنتحر (متهور، ضعيف إيمان، مجنون ...) وكأن محيطه الأسري، والاجتماعي والمهني لا يتحمل أدنى مسؤولية. ونسوا أو تناسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم في النص الجامع المانع الصريح الواضح "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، ابتداءً بالإمام فهو راع للأمة ومسؤول عنها كما قال عمر رضي الله عنه حيث قال "لو أن بغلة عثرت في العراق لسئل عنها عمر" مروراً بالمعلم مع تلاميذه، وانتهاءً بحارس أقفاص الطيور. فما بالنا بما يجري لأمتنا من نحر وانتحار فردي، وجماعي، يومي.

الانتحار عبر العصور:

إن من بين القضايا، والسلوكيات الأكثر إثارة للدهشة، أن يقدم الإنسان على " قتل نفسه...لماذا؟؟!!" إنها قدرة غريبة تثير الفزع، والدهشة، فما هي تلك القدرة التي تجعل المرء يفكر، ويخطط لهذا الفعل؟
الأديان السماوية، والفلسفات الوضعية تحرّم قتل النفس، وإن اختلفت في تأكيد التحريم. فالمسيحية تعتبر" الانتحار جريمة، وخطيئة ". ويحرم الدين الإسلامي الانتحار تحريما قاطعاً، فهو جريمة كبرى وسوء خاتمة، فالذي يقتل نفسه فراراً من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو فكرة خاطئة أو انفعال، أو غضب، فهو عرّضه لعقوبة الله، قال تعالى : (... ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً). وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال: " من قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يُلجم بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسُم فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم ... الحديث".
وعلى الرغم من هذه التشريعات وبعض الأفكار الفلسفية التي تجمع على أن الانتحار أمر غير مشروع، وغير مقبول إلا أن حالات الانتحار في ازدياد مطرد وفي كل المجتمعات مع الاختلاف في النسبة. إذا فالانتحار ظاهرة وقضية شديدة التعقيد، والصعوبة في البحث، والتشخيص، والعلاج ... فقد أهتم بها الفلاسفة، وعلماء الدين، وعلماء النفس، والطب، ورجال الدين ... الخ.

أسباب الانتحار وفقا للحالات التي درست أسباب انتحارها:

حوالي (35 %) من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية، انفعالية، وعقلية كالاكتئاب، والفصام، والهستيريا، والأمراض الجسدية.
حوالي (65 %) يرجع إلى عوامل متعددة تربوية أسرية، وثقافية واقتصادية، ومجتمعية، أو تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ (...).

انتشار الانتحار:

تشير التقديرات إلى أنّ (000 .877) شخص انتحروا في عام (2000). ويشكّل ذلك حالة وفاة واحدة في كل (40 ثانية). ويُعتبر الانتحار على الصعيد العالمي، إحدى مسبّبات الوفاة الرئيسية الثلاث لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين (15 - 44) عاماً.

ففي دراسة قام بها مجموعة من الباحثين في مكتب الصحة الفيدرالي بسويسرا خلص منها إلى أن عدد حالات الانتحار في سويسرا (1400) حالة سنويا. وهي أعلى من مجموع حالات الوفيات بسبب حوادث المرور والإيدز والمخدرات مجتمعة. وفيما يأتي إحصائيات وترتيب بعض الدول حسب الإحصائيات المتوفرة لحالات الانتحار من بين كل (100) ألف ساكن:

أول الدول في الترتيب العام في العالم:

1.ليتوانيا (70.1) رجال في مقابل (14.0) نساء
2.روسيا البيضاء ( 63.3) رجال في مقابل (10.3) نساء
3.الفيدرالية الروسية (61.6) رجال في مقابل (10.7) نساء
4.سويسرا (23.7) رجال (11.3) نساء،
5.(إسرائيل) (10.4) رجال (2.1) نساء

ترتيب الدول العربية المتوفرة عنها إحصائيات:

1.البحرين ( 4.9) رجال - في مقابل 0.5 نساء
2.الكويت (2.5) رجال - في مقابل 1.4 نساء
3.سوريا (0.2) رجال - في مقابل 0.0 نساء
4.مصر (0.1) رجال - في مقابل 0.0 نساء

عوامل الخطر التي ترتبط وتمثل عوامل مهمة كمؤشرات لحدوث لانتحار:

مستوى اجتماعي اقتصادي تعليمي منخفض، وفقدان للوظيفة، ومصدر الرزق.
الضغوط والصراعات الاجتماعية،
الصراعات والتفكك الأسري،
الصدمات النفسية والاجتماعية مثل الأذى الجسدي، والنفسي، والجنسي.
الخسارة والفقدان المعنوي، والعاطفي، والمادي.
الاضطرابات الانفعالية والعقلية كالاكتئاب، والفصام، والهتسيرياء.
الإصابة ببعض الأمراض العضوية المزمنة وخاصة تلك الأمراض التي تسمها المجتمعات بوصمة عار (مثل مرض نقص المناعة المكتسب "الايدز"...).
قضايا الاتجاهات الجنسية، والسلوكي الجنسي المثلي.
شيوع ظاهرة الانتحار في المجتمع. (عدوى هوس الانتحار).
سهولة الحصول على المواد القاتلة.
عوامل أخرى.

هل يمكن منع الانتحار؟

سؤال معقد ؟؟ والجواب أيضا عنه معقد. من جانب (لا) ومن جانب آخر (نعم) في الآن نفسه.
أما (لا) فلان هذا قضاء الله وقدره؟؟ فإذا أراد أن يقول للشيء كن ... فيكون. وأما (نعم) فيمكن أن يلعب العلم، والمجتمع، والأسرة، دوراً مهماً في الوقاية، ومنع بعض حالاته. وهناك نوعان من التدابير التي يمكن اتخاذها على مستويين: (1) مستوى الوعي بالظاهرة، (2) مستوى وضع التدابير الإجرائية على المستوى المحلي، والوطني للحد من احتمال وقوع حالات انتحارية، بما في ذلك ما يأتي:

أولا: الوعي بظاهرة الانتحار:

الوعي بظاهرة، وخطورة الانتحار يتطلب المعرفة بأبعاد الظاهرة بصور علمية بعيدا عن التهويل، والتهوين والإهمال... بعيدا عن المغالاة، والفزع، وعن الأفكار الخاطئة، والخرافية عن الانتحار التي تتمثل في:
1.الأشخاص الذين يتحدثون عن الانتحار، ويهددون بالإقدام عليه لن يقدموا على ذلك فهم فقط يرغبون في جذب الانتباه إليهم فقط ... وهذا يدحضه الواقع.
2.الانتحار نزوة شيطانية وتحدث فجأة دون سابق إنذار... وهذا غير صحيح فمعظم المنتحرين أعطوا بعض الرسائل الشفهية، أو السلوكية، الصريحة أو الرمزية.
3.الشخص الذي حاول الانتحار مرة واحدة لن يكرر المحاولة مرة ثانية أبداً بسبب الألم النفسي، والجسدي، والاجتماعي الذي تعرض له في المرة السالفة... وهذه فكرة خاطئة أيضاً لان هناك من حاول أكثر من مرة (..).
4.الانتحار سببه وراثي فقط ... هذا صحيح نسبيا ولكن ليس في كل الحالات.
5.الانتحار سببه المرض العقلي فقط ... وهنا لا يمكن أن نقصر الانتحار على المرضى العقليين ، والدليل أ،ه ليس كل مريض عقلي يحاول الانتحار أو ينتحر، ودليل آخر أن هناك منتحرين لم يكونوا يعانون من أي اضطراب عقلي.
6.الشخص المتدين لا ينتحر.. وهذا غير صحيح دائما.
7.لأطفال لا ينتحرون ... وهذا غير صحيح فقد حدث وسٌجلت حالات الانتحار بين الأطفال.
8.يحدث الانتحار في مستوى اجتماعي محدد أو عرقي بعينه (....)، وهذا ليس صحيحاً فالانتحار يطال كل المستويات الاجتماعية الاقتصادية فقراء، وأغنياء، أميين، ومتعلمين، سود، وبيض (....).
9.الجهل بالشيئ أفضل من معرفته ... يسود هذا التفكير الخاطئ بين كثير من الناس إذ يعتقد البعض أن الحديث عن الانتحار في المؤسسات العلمية أو وسائل الإعلام يمثل عامل خطر فهذا يجعل من لا يعرف يعرف، ويفكر في الشيئ. وهذا يناقض قول الله تعالي" هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"

ثانيا: وضع التدابير الإجرائية على المستوى المحلي، والعالمي ومنها:

1.الحد من فرص الحصول على وسائل الانتحار (مثل الأدوية والأسلحة والمواد السامة القاتلة).
2.علاج الأشخاص ذوي الاضطرابات النفسية (خصوصاً من يعانون الاكتئاب والفصام وإدمان الكحول).
3.متابعة الأشخاص الذين سبق لهم القيام بمحاولات انتحارية.
4.الإبلاغ عن الانتحار بطريقة مسئولة في وسائل الإعلام وفي المجالات القانونية.
5.تدريب القائمين على الرعاية الصحية الأولية على فهم طبيعة الشخصية الميالة للانتحار. فهناك عدد قليل من حالات الانتحار التي تحدث بدون إنذار. فمعظم المنتحرين يرسلون رسائل وإنذارات واضحة أو ضمنية عن نواياهم. وبناءً عليه، ينبغي إيلاء كبير الاهتمام لجميع هذه الرسائل المتعلقة بإيذاء الذات.
6.عمل فحص نفسي روتيني لكل فرد على الأقل كل عام أو عامين لتقييم العوامل الانفعالية والشخصية والاجتماعية ذات الصلة.

ملاحظات على الانتحار:

الذين يحاولون الانتحار ثلاثة أضعاف المنتحرين فعلا.
المنتحرون ثلاثة أضعاف القتلة.
محاولات الانتحار أكثر بين الإناث.
الانتحار الفعلي أكثر بين الذكور.
أكثر وسائل الانتحار استخداما عند الإناث الأدوية والحرق وعند الذكور الأسلحة النارية.
تقل نسبة الانتحار بين المتزوجين ومن لهم أطفال.
أعلى نسبة انتحار في العالم في الدول الأسكندنافية.
خمس المنتحرين يتركون رسائل وعلامات تشير إلى انتحارهم.
تقل نسب الانتحار في الحروب والأزمات العامة.

هل تفكر في تقييم أفكارك ومشاعرك التي تشير للتنبؤ بالانتحار؟؟

يمكنك تقييم أفكارك ومشاعرك من خلال المقياس التالي: " بين يديك مجموعة من الأعراض ضع كلمة (نعم) أمام العبارة التي تنطبق وتفكيرك ومشاعرك وكلمة (لا) أمام العبارة التي لا تنطبق وتفكيرك، ومشاعرك".
1.أنا متشائم تجاه كل شيء... (...)
2.أشعر بالفشل. .. (...)
3.أشعر بقلة التركيز. ..(...)
4.أعاني من اضطراب النوم. (زيادة أو نقصان) ... (...)
5.أعاني من اضطراب الشهية للأكل (زيادة أو نقصان). .. (...)
6.أشعر أن ليس لي قيمة... (...)
7.أشعر بأني معاقب. .. (...)
8.أشعر بالذنب. .. (...)
9.أعاني من قلة النشاط والحيوية. .. (...)
10.أعاني من قلة النشاط والرغبة الجنسية ... (...)
11.أشعر بفتور العلاقة بالآخرين. .. (...)
12.أشعر بالحزن. .. (...)
13.أشعر بنقصان الإحساس بالسرور والمتعة. .. (...)
14.أعاني من سرعة الاستثارة (الغضب). .. (...)
15.أشعر باليأس. .. (...)
16. لا يوجد من يستحق العيش من أجله ... (...)
17.اكره نفسي. .. (...)
18.أفكر في قتل نفسي. .. (...)
19.لقد حاولت قتل نفسي أكثر من مرة ولم افلح. .. (...)
20.إذا سنحت لي الفرصة سأقتل نفسي لا محالة ... (...)
إذا أجبت عن نصف هذه الأسئلة (بنعم) خاصة السؤالين الأخيرين. يجب عليك ويجب زيارة طبيب نفسي متخصص في اقرب فرصة.
جنبنا الله كل سوء وكل مكروه.

 

 

د. محمد عقلان 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.