التحليل النفسي للرسوم المسيئة للرسول

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: السبت, يونيو 6, 2015 - 18:39

أثار موضوع الفيلم المسيء للرسول الكريم  طوفانا من الغضب والاشمئزاز بين ملايين المسلمين , وقد  بدأت هذه الحملة العدائية منذ سنوات في  صحيفة مجهولة في الدنمارك حين نشرت رسوم مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم على صفحاتها ، ثم أعيد النشر بل وأضيفت رسوم أخرى بذيئة  في صحف النرويج والنمسا  وفرنسا وألمانيا  , وأيضا  في عدد غير قليل من مواقع الانترنت الأوربية .
إن أكذوبة حرية التعبير كشفتها هذه الدراسة لتحليل هذه الإهانات الموجهة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم والتي يظهر ضعف مستواها الفني أيضا وركاكتها من اللمحة الأولى وأنها نتاج مجموعة من الهواة الذين أسقطوا انفعالات مريضة وأفكارا  مشوهة يمكن تصنيف الكثير منها تحت ما يسمى بالأدب المكشوف أو التصوير الفاضح الذي يصنف ضمن الاضطرابات النفسية التي تصل في بعض الحالات إلى حد كتابة ألفاظ نابية بذيئة على الحوائط في الخفاء تعبيرا لاشعوريا عن الانحراف النفسي والجنسي ، ويشعر هؤلاء بنشوة ولذة عندما يرى الآخرين هذه الرسوم والتعليقات  النابية البذيئة أو الرسوم المستفزة المثيرة . .    
ورغم أنني طبيب إلا أنني اهتم بتحليل الشخصية ودراستها وعلاج مشكلاتها ليس بالدواء فقط بل بكل وسائل التشخيص والعلاج النفسية من خلال كل وسائل التعبير اللفظية وغير اللفظية خاصة الرسوم , ولقد تضمنت رسالتي في الماجستير ودكتوراه الطب النفسي فصولا في تحليل واستخدام تلك الرسوم والصور كأساليب مساعدة في التشخيص والعلاج , وعندما أثير موضوع هذا الفيلم والصور البذيئة قررت إجراء هذه الدراسة التحليلية لكشف دوافع وتفسير دلالات ما جاء في هذه الرسوم , ولقد أدهشني ما توصلت إليه من نتائج بوجود دلالات لنزعات عدوانية وتعصب وإسقاطات جنسية  تصل إلى حد الانشغال الزائد بالجنس , بل وإلى حد الهوس الجنسي  في بعض تلك الرسوم , كذلك اكتشفت وجود دلالات تشير إلى الاغتراب وأخطاء في التفكير والاعتقاد كالمبالغة والتعميم والتصلب والجمود .. وغيرها .
وأعتقد أن هذه الدراسة هي ردا مناسبا بمنهج ولغة الغرب حيث أن الاحتجاج والغضب لا يكفى لمخاطبة العقل الغربي , بل لابد من أبحاث ودراسات منضبطة وفق منهج علمي متطور يكشف العلل ويشخص الداء ويصف العلاج والدواء , كما يجب علينا التعريف العلمي بالأعجاز السلوكي الذي قدمه الرسول صلى الله عليه وسلم  للبشرية نصوصا وتطبيقات عملية تتفق مع أحدث معطيات أبحاث علم النفس السلوكي وأساليب تعديل التفكير والسلوك وهى دراسة أخرى نشرتها منذ عدة سنوات ونوقشت في مؤتمرات علمية متعددة.    
وسوف انشر نتائج التحليل النفسي لهذه الرسوم تباعا , مع تعريف بجوانب الإعجاز السلوكي في حياة الرسول الكريم في عدة مقالات , ومن يرغب في المزيد أو الحصول على ترجمة بالغات الانجليزية والفرنسية والألمانية سيجدها على نفس موقعي الالكتروني :   www.rameztaha.net    


وأتمنى أن يساهم من يطلع على هذا المقال و الدراسات المشار إليها بإعادة نشرها قدر ما يستطيع دفاعا عن الرسول الكريم ( إلا تنصروه فقد نصره الله )  كما يفضل أيضا أن يرسل المقال والترجمة إلى احد الصحف أو المواقع الالكترونية خاصة في الدول التي صدرت منها هذه الرسوم المسيئة  والى أي صديق له في الغرب تصحيحا لهذه الافتراءات  والتشويه .


الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
" الاسلاموكوست " .. محرقة مشاعر المسلمين
هذا المصطلح لم أقرأ عنه من قبل وقد استخدمته في دراستي هذه لأول مرة – على مسئوليتي – لأنني أعتقد أنه أفضل مصطلح يعبر عن حرق وكي مشاعر المسلمين بهذه الأفعال المسيئة للرسول  وبهذا الدرجة من الانتشار  الوبائي التي تشير إلى انتقال الغرب من مرحلة الاسلاموفوبيا والتي تعنى الخوف من الإسلام إلى الاسلاموكوست  Islamocaust    والتي تعنى كي وحرق مشاعر المسلمين بهذه الحملة من الاستهزاء والسخرية والإهانة لأسمى رموز الإسلام وإلى رسول رب العالمين , وما يزيد من شدة وضراوة الألم إنه لم يصدر من المسلمين مايشوه أو يسخر من أي عقيدة أو ديانة أو أي رسول من الرسل !!
ورغم ذلك فلا يجب أن نقع في خطأ التعميم لأننا ندرك أن الغرب فيه من يدرك سخافة وتفاهة ماحدث ويعارضه , ولكن في جميع الحالات  تقع علينا مسئولية توصيل معلومات موضوعية تساعد على تصحيح صورة الإسلام الناتجة عن نقص المعلومات الصحيحة عن الرسول الكريم ورسالته السامية .
ولقد أكدت بحوث التعصب في أمريكا وأوروبا أن الاتجاهات العقلية السلبية والعدوانية والتصلب ضد الأقليات( والزنوج في أمريكا تحديدا ) تقل كلما ازدادت المعلومات الموضوعية عن تلك الأقليات وسلوكياتها وعاداتها ومساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية .

دلالات العدوانية والتعصب
الكاريكاتير أحد أنواع  الرسم الحديث التي تعتمد على التحريف والمبالغة المقصودة للتعبير عن الأفكار والمفاهيم وكذلك عن الدوافع والصراعات اللاشعورية , وهذه المبالغة هي التي تؤثر في المشاهد وتحرك خياله وتعطى للفكرة قوة تأثير عالية وتبرز المعاني  وتغرسها في ذهن الفرد.
وقد وجدت الكثير من دلالات العدوانية والتعصب عند تحليل هذه الرسومات المسيئة   و سأكتفي بالإشارة إلي بعضها كنماذج في هذا المقال لضيق المساحة , فعلى سبيل المثال أظهرت كثير من هذه الرسوم المبالغة في حجم الرأس وتأكيد ملامح الوجه بصورة قبيحة  ويعتبر هذا دلالة اهتمام الرسام بالمظاهر الخارجية وانعكاس لعدوان مكبوت يصاحبه في نفس الوقت  اعتراف لاشعوري بقوة الشخص المرسوم ومكانته
ظهر في رسوم أخرى عدم وجود الفم مطلقا رغم وجود باقي ملامح الوجه ويعتبر ذلك من الدلالات اللاشعورية على ميل الرسام لرفض الاستماع للآخر ربما هربا أو خوفا من قوة الحجة والاستمرار في إنكار الحقيقة التي جاء بها الرسول , كما قد تشير إلى  العدوان السلبي بالترك , وقد يكون دلالة أيضا على تضخم الذات ورفض التواصل مع الآخر .
وفى أكثر من رسم أظهر الرسام الفم بخطوط بيضاوية أو منحنية مع إبراز الأسنان وتأكيدها مما يعتبر دلالة على الميول السادية والنزعات العدوانية للرسام أيضا , وفى  رسوم أخرى   تم رسم الفم بشفاه سميكة غليظة مما يعتبر إسقاطا لخبرات جنسية فميه للقائم بالرسم  ويؤكد ذلك أن بقية الملامح في تلك الرسوم لاتتسق مع هذه الشفاه الغليظة .
لقد رسم هؤلاء الرسامين أنفسهم وأسقطوا على الرسوم خبايا نفوسهم المريضة وليتهم قرءوا عن جمال وجهه الشريف وطهارة سلوكه العفيف.

 
 الإعجاز السلوكي للرسول
 إن الرسول الكريم الذي أساءوا إليه هو الذي أاستطاع أن يعدل ويغير في السلوكيات والعادات السلبية  الهدامة لمجتمع بأكمله خلال عدد محدود وقياسي من السنوات.. وهذه التغيرات ظلت ثابتة وباقية ومغروسة بعمق في عقل ووجدان الناس.. لذلك كانت بحق أكبر عملية تعديل للسلوك والعادات في تاريخ البشرية.. وهو ما عجزت عنه كافة الثورات والانقلابات بل وجميع أساليب العلاج العلمية المعاصرة والمتقدمة   في مجال السلوك الإنساني..
ولقد حيرني كثيرا لماذا لم نستفد من هذا المنهج  وندرسه ونقارنه بمعطيات العلوم السلوكية والنفسية وأبحاث الانثروبولوجيا والتربية والاجتماع  الحديثة ؟! .. ولماذا تركزت دراسات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فقط على ما ورد في أبحاث و دراسات العلوم الطبيعية.. مثل الفلك والفيزياء وعلوم الفضاء وغيرها ؟! و أهملنا السلوك الإنساني والعادات التي كانت محور اهتمام الرسول الكريم والتي ستظل معجزة الإسلام في حياة البشر.
لقد استطاع الرسول – صلى الله عليه و سلم- تحويل القبائل المتناحرة والجماعات الغوغائية التي تغير على بعضها البعض وتستحل الدم و الحرمات  وتتفاخر بعدوانها و اغتصابها للحقوق.. إلى جماعات متضافرة تلتقي حول أهداف سامية و يحكم علاقاتها نظم و قواعد راقية ومشاعر الحب و العطف و الإحسان !. و استطاع أن يعدل في سلوكيات أفراد المجتمع وعاداتهم ! و غرس فيهم الحب و التعاطف والرفق والرحمة ! كما استطاع أن يعالج مشكلات لازالت تزلزل العديد من المجتمعات المتقدمة مثل إدمان الخمر والقمار والانحرافات الجنسية وغيرها بصورة جماعية فريدة.

الرسول(ص) هو رائد تعديل السلوك البشرى
لقد استخدم الرسول – صلى الله عليه و سلم – عدة  طرق يمكننا الاقتداء بها والاستفادة منها في هذا العصر  للتعامل مع الآخرين لتقويم وتعديل سلوكهم ومساعدتهم على التخلص من العادات السلبية الهدامة .. ولقد وجدت أن كل هذه الطرق والأساليب التي اتبعها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -  تتفق مع أحدث الدراسات والأبحاث العلمية في هذا المجال الحيوي الهام .
أحد هذه الطرق هو أسلوب عرض  النماذج السلوكية التطبيقية – النمذجة -  في مواقف حية Overt modeling   , والتي تمثل أفضل أساليب التعلم و أكثرها تأثيراً, كما قدم بيانات عملية لتعديل السلوك وعلاج المشكلات  و أسلوب التعامل الصحيح في كل موقف من المواقف المختلفة , كما استعان بالتصوير و التجسيد و تنشيط المخيلة و القدرة على التوقع و التصور, واستخدم القصص و الأمثال و تجسيد المشاهد و تقديم البيانات اللفظية   و العملية ليشرح المواقف التعليمية التي تسهل عمليات التعلم و تساعد الإنسان على تغيير تصرفاته بالتدريج . ولقد أتاح ذلك للمسلمين التعلم بالملاحظة والمحاكاة وغيرها والتي تعتبر من أساليب التعلم وتعديل السلوك الفعالة  والتي وردت في دراسات العديد من العلماء المعاصرين  و في أبحاث أصحاب نظرية التعلم الاجتماعي Social ( observational ) learning ودراسات علوم  النفس والسلوك و بيولوجيا الجهاز العصبي في الإنسان .
هذا جانب  بسيط  ولمحات سريعة من حياة الرسول الكريم  لم يدركها كل من أقدم على هذا العمل الشائن  , و سنوالى النشر عن هذه الدراسات تباعا , وهذا هو جزء من الرد الذي نعتبره فريضة علينا جميعا ,  مصداقا لقوله تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) .

 

 

د.رامز طه

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.