التوائم المتطابقة بين التشابه والاختلاف

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: السبت, يونيو 6, 2015 - 17:50

قال الله جَلَّ عُلاَه: « لله ملك السماوات و الأرض، يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً و يهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً و إناثاً و يجعل من يشاء عقيماً، إنه عليم قدير» (الشورى : 49-50)، لقد بيَّن الله عز و جل في مطلع هاتين الآيتين الكريمتين بأنه يخلق ذرية آدم بأي طريقة يريدها، لأن قدرته على الخلق لا حدَّ لها و لا حصر، لا يعجزه فيها شيء و لا يستعصي عليه فيها أمر، فقد خلق الناس على أربعة أقسام : فأبونا آدم عليه السلام خلقه من تراب بدون ذكر و لا أنثى، و خلق أُمَّنَا حواء من ذكر بلا أنثى، أما عيسى عليه السلام فقد خلقه من أنثى بلا ذكر، ثم خلق سبحانه سائر بني البشر من ذكر و أنثى، و هذا دليل عى تمام القدرة الإلهية في مجال الخلق(1).
إن من مظاهر العظمة و الجلال في اسم الله «الخالق» التي اكتشفها علم الأجنة حديثاً، أن النطفة الواحدة ينتج عنها ولادة طفل واحد من حمل واحد، لكن المذهل حقّاً أن تلك النطفة الواحدة قد تنقسم بإذن الله تعالى داخل الرحم و تؤدي إلى ولادة ذكرين أو أنثيين أو ثلاثة ذكور أو ثلاثة إناث في حمل واحد، فكيف يحدث ذلك من الناحية العلمية ؟ و ما هي الخصائص المشتركة بين التوائم المتطابقة؟ و هل تطابقها من الناحية الجينية الوراثية ينعكس على المستوى النفسي و السلوكي؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الاجابة عنها من خلال محاور هذا المقال.
1. التفسير العلمي للتوائم
في الحالات العادية و هي الأكثر شيوعاً، يحتوي بطن المرأة على جنين واحد في حمل واحد و يسمى نوع الولادة (الولادة الفردية)، لكن إذا تبيَّن أن بطن الأم يحتوي على أكثر من جنين يتم إطلاق أسماء مختلفة على تعدد المواليد حسب عدد النسل الناتج عنها، و يعد انجاب طفلين أو التوائم الثنائية (Twins) هو الأكثر شيوعاً بمعدل ولادة ثنائية لكل 89 حالة ولادة فردية أي بنسبة 1,1%تقريباً، تليها التوائم الثلاثية (Triplets) حيث تحدث ولادة واحدة من هذا النوع لكل 7921 ولادة فردية أي بنسبة 0,013% أما التوائم ذات العدد الأكثر من ثلاثة و التي قد تصل إلى سبعة أو ثمانية من المواليد في حمل واحد فيتم بمعدل ولادة واحدة لكل 70.000 ولادة فردية أي بنسبة .0,000142%
وتنقسم التوائم الثنائية إلى نوعين أولهما يسمى التوائم المتطابقة أو المتشابهة (Jumeaux monozygotes) و ينتج هذا النوع عن بويضة (Ovule)واحدة مخصبة بحيوان منوي واحد (Spermatozoïde)، ثم تنقسم البويضة بعد ذلك إلى قسمين كما ينقسم الحيوان المنوي إلى اثنين من الأجنة و يشتركان أثناء الحمل في نفس المشيمة و لكل واحد منهما كيس جنيني خاص به و يحمل كل منهما نفس الخصائص الوراثية (نفس ملامح الوجه، نفس الطول، نفس الوزن،...)، و تكون معظم الولادات من نفس الجنس ذكرين أو أنثيين، و في بعض الحالات النادرة قد يشترك هذا النوع من التوائم في نفس الكيس الجنيني فيولد التوأمان ملتحمان و يسميان بالتوائم السيامية(2).

صورة تجسد تشكل التوأمين المتطابقين بعد انقسام الحيوان المنوي و البويضة إلى قسمين
أما النوع الثاني من التوائم فهي التوائم غير المتشابهة (Jumeaux monozygotes) و هي ناتجة عن بويضتين تم إخصابهما بحيوانين منويين واحد لكل بويضة في نفس الحمل، لذلك من الممكن أن يكون التوأمين من جنسيين مختلفين و لا يتعدى التشابه الوراثي بينهما التشابه الموجود بين الأشقاء العاديين.
 
صورة توضيحية تجسد الفرق بين التوائم المتشابهة و التوائم غير المتشابهة
2. النمو النفسي و الجسمي للتوائم
إن التشابه الكبير بين التوائم المتطابقة مثل تقاسم الحياة الجنينية لمدة تسعة أشهر في بطن واحدة بالإضافة للتشابه في ملامح الوجه و خصائص الجسم (نفس الوزن، نفس الطول، نفس الفصيلة الدموية...)، كل نقط الإلتقاء هاته تؤثر على سلوك الوالدين حيث يميلان إلى تزكية هذا التشابه من خلال شراء نفس الملابس، نفس الألعاب و تحضير نفس الوجبات الغذائية لهما و مصاحبتهما للنوم في نفس التوقيت.
خلال الشهور و السنوات الأولى من عمرهما يعيش التوئمان حالة من التداخل النفسي (Etat fusionnel)، حيث يكون من الصعب عليهما التمييز بين مشاعرهما الخاصة بكل واحد منهما و مشاعرهما المشتركة، لكن مع التقدم في سنوات الطفولة تبدأ معالم الاختلاف تظهر عليهما فيبدو أحدهما أكثر ميلاً للهدوء و التأني في تصرفاته و الآخر أكثر اتجاهاً نحو الحيوية و الحركية في سلوكاته اليومية، مما يدل على أن التوائم ليسوا نسخة طبق الأصل من بعضهما البعض، و يتضح هذا التمايز أكثر فأكثر من خلال التطور في سنوات المسار الدراسي و كذلك بعد الزاوج حيث تختلف البيئات الاجتماعية التي يندمج فيها التوأمان، مما يجعل التشابه الذي طبعهما في ظل عيشهما في أسرة واحدة مع أبيهما و أمهما يتناقص شيء فشيء، و هذا ما سنتطرق إليه لاحقاً.
خلال السنة الرابعة أو الخامسة من الطفولة، تبدأ ملامح الشخصية القيادية تبدوا في سلوكيات أحد التوأمين و يدخلان في نوع من الاحتكاك بينهما نتيجة لذلك، لكن سرعان ما يتقبل كل واحد منهما دوره داخل هذا الثنائي و لا يشكل هذا النمط من العلاقة بينهما مشكلا لأنهما يجيدان تدبير هذه العلاقة بهذا الشكل، لكن ما ينبغي الانتباه إليه من طرف الوالدين هو عدم تفضيل أحدهما على الآخر حينما يدب الصراع بين الأخوين مما يؤثر سلباً على نموهما النفسي الطبيعي.
3. المعتقدات الاجتماعية السائدة حول التوائم
إن من المعتقدات المنتشرة في مجتمعاتنا العربية حول التوائم نجد ظاهرة التخاطر الذهني أو قراءة الأفكار (Télépathie)، و تعني قدرة التوأمين على التواصل الذهني فيما بينهما دون الحاجة للكلام أو الكتابة أو الإشارة، فليس من الناذر أن نسمع التوائم المتطابقة يحكون تجارب التخاطر الذهني التي تقع بينهم، و من الأمثلة على ذلك حادثة سير وقع ضحيتها أحد التوائم فشعر توأمه بألم في نفس المنطقة المصابة في جسد أخيه رغم وجوده في مكان بعيد عن الحادث، فهل في هذه الحالة يمكن الحديث عن مصادفة عابرة أم هو تواصل ذهني ؟.
إن التواصل الذهني هو ظاهرة ناذرة الحدوث عند التوائم و حتى عند الأشخاص العاديين، فمن خلال أحد الدراسات النفسية حول التخاطر الذهني بين التوائم و التي أجري فيها اختبار أثر تلقين بعض التعليمات على نشاط الجهاز العصبي لدى المفحوصين، و قد شارك في هذه التجربة 15 توأم متطابق تم عزل كل واحد منهم في حجرة مستقلة و تم قياس أثر التعليمات على جهازهم العصبي بواسطة جهاز تصوير الدماغ بالأشعة (EEG : Electroencéphalogramme) الذي تبين من خلاله أن 4 فقط من أصل 15 توأم لهم نشاط عصبي مماثل لبعضهما البعض و خلصت التجربة بذلك إلى أن التخاطر الذهني هي ظاهرة ناذرة الحدوث (3).
4. الروابط النفسية بين التوائم المتطابقة
لقد قام العالم النفسي الفرنسي روني زازوا (René ZAZZO) بدراسة العلاقة الحميمية بين التوائم و أثرها على تكوين شخصية كل توأم، و قد أنجز بحثاً مقارناً بين التوائم المتطابقة و التوائم غير المتطابقة و خلص إلى أن التوأمين المتطابقين رغم ما يتميزان به من حساسية ذهنية مرهفة فيما بينهما، و هي أكثر تطوراً من نظيرتها لدى التوائم غير المتشابهة و حتى لدى الإخوة العاديين، لكن رغم ذلك فإن العلاقة الحميمية بين التوائم المتطابقة ليست خارقة للعادة و لا تخرج عن نطاق العلاقات الحميمية المألوفة كعلاقة الأم بابنها أو علاقة الصديقين المقربين لبعضهما البعض منذ الطفولة أو علاقة زميلين جد متفاهمين و جد متعاونين في العمل...إلخ(4).
في إطار هذه العلاقة الثنائية الحميمية يحقق كل طرف تطوراً في قدراته النفسية من خلال اتخاذ الطرف الآخر كمرجعية في بعض الأمور التي تعجبه، كتقليد طريقة كلامه أو تبني بعض أفكاره الشخصية، و هذا ما يؤدي في بعض الأحيان إلى نوع من التداخل النفسي بحيث يجد أحد التوأمين نفسه و قد خرج من عالمه الذاتي و تخلى عن طريقته في التفكير و دخل بدون شعور في العالم الذاتي لتوأمه، أي أنه بدأ يفكر بأسلوب شريكه.
لكن سرعان ما ينتبه التوأم الأول لهذا التداخل النفسي و يستعيد زمام أمره، فقد يستفيد من آراء التوأم الثاني لكنه لن يكون أبداً نسخة طبق الأصل له، و هنا يلعب الوالدين دوراً أساسياً في مساعدة التوائم على إدراك الحدود النفسية الفاصلة بين الشخصية المستقلة لكل واحد منهما، دون أن يؤثر ذلك على استمرار العلاقة الحميمية بينهما.
لقد نجح عدد كبير من التوائم المتطابقة في تحقيق هذا التكامل بينهما (1+1=2) دون أن يؤدي ذلك إلى انخراطهما في علاقة انصهارية تذوب فيها شخصية أحدهما في شخصية الآخر (1+1=1)، أو حتى دون أن يكون أحدهما هو المتحكم في العلاقة الثنائية و الآخر تابع له، فما ينبغي أن يحصل هو التكامل و ليس التبعية.
5. التأثيرات الفوق جينية على التوائم
من خلال دراسة أجرها الباحث بدر البوراشدي(5) على ستة أزواج من التوائم المتطابقة (4 أزواج إناث و 2 أزواج ذكور)، لفترة طويلة من الزمن (من 35 إلى 77 سنة من عمر التوائم) بدول الخليج العربي، و شمل البحث الصفات السلوكية غير الوراثية كنوع الطعام المفضل و اختيار اللباس و طريقة النوم...إلخ، تبيَّن من خلال الدراسة المقارنة بأن كل زوج من التوائم يشترك في نفس الجينات و نفس الحمض النووي (ADN) (6) لكنهما يختلفان في الصفات الظاهرية السلوكية، هذه الاختلافات تحدث نتيجة التغيرات و التحولات الكيميائية التي تحصل على الجينات خلال فترة طويلة من العمر، و هو ما يسمى بالتأثيرات الفوق جينية (Epigenetics differences) و التي تتأثر بالتغيرات الطارئة على العادات الغذائية و البيئة الاجتماعية.
إن الجينات تتواجد داخل الحمض النووي و لها ترتيب و تسلسل معيَّن، و التغيرات الفوق جينية لا تؤثر على ترتيب و تسلسل هذه الجينات بل تؤثر في طريقة تعبير الجينات عن نفسها، و قد تكون التغيرات الفوق جينية عبارة عن تشغيل أو كبح جيني، حيث يكبح الجين الذي ورثه الطفل من أبيه بشكل جزئي أو كلي فتشتغل و تنشط في جسمه أو جهازه النفسي الصفات المتأتية من أمه (فكل صفة كان يعتقد أنها تتكون نتيجة مورثين، يرث الانسان أحدهما من أبيه و الأخرى من أمه، و تكون إحداهما مهيمنة و الأخرى متنحية).
إن النتائج تبيِّن أن التوائم المتطابقة كانت متشابهة في العديد من هذه الصفات غير الوراثية في مرحلة الطفولة كالتشابه في الوزن و الطول و اختيار الملابس و طريقة النوم و الاصابة بالأمراض...إلخ، أما عند الكبر بعد مرحلة الزواج حيث يتم الانتقال لبيت الزوجية و ما يترتب عليه من بيئات متباينة في العادات الاجتماعية حيث سجل اختلاف و تغير في الصفات المدروسة (الوزن، الطول، الاصابة بالأمراض ...)، و بالتالي فالبيئة تؤثر في طبيعة المكونات الوراثية.
في الطفولة كان معدل التشابه في هذه الصفات لدى التوائم يتراوح ما بين 60 و 100% و لا ينزل عن هاتين النسبتين في كل الصفات المدروسة، إذ يكون هناك تطابق في هذه الصفات خلال المراحل الأولى من العمر وتبدأ الاختلافات و التباينات بالظهور مع التقدم من العمر بعد الزواج و الانجاب مما يؤدي إلى تغيرات فوق جينية.
6. دراسة استطلاعية مغربية على التوائم
لقد أجريت بتوفيق من الله تعالى دراسة استطلاعية خلال شهر جمادى الأولى 1434 هجرية الموافق لشهر يناير 2013 ميلادية بتعاون مع زوج من التوائم المتطابقة إناث يبلغ عمرهما 24 سنة، و اللتان تدرسان مادة الاعلاميات بالمركز الاجتماعي تيليلا بمدينة أكادير المغربية، وُلِدَا معاً في نفس اليوم إلا أن إحداهما وهي خ.ك ازدادت قبل أختها ع.ك.
نظراً لتشابههما الخِلقي فقد كرَّس والديهما هذا التشابه بميلهما إلى شراء نفس اللباس لهما، كما كانا يتميزان بنفس العادات في التغذية و النوم و حتى في المسار الدراسي كانتا تدرسان بنفس القسم طيلة الفترة الابتدائية و الإعدادية، إلا أنه في نهاية المرحلة الاعدادية اختارت إحداهما و هي ع.ك الشعبة الأدبية و فضلت الأخرى و هي خ.ك الشعبة العلمية، و هنا بدأت مظاهر الاستقلالية تبرز في شخصيتهما بأن شقت كل واحدة منهما مسارها الدراسي الخاص بها فنالت ع.ك الاجازة في شعبة القانون أما خ.ك فقد حصلت على الاجازة في شعبة الفيزياء.
تتميز العلاقة الثنائية بين هاذين التوأمين بنوع من التوافق و التجاوب الايجابي، و من الواضح أن خ.ك هي التي تتولَّى مسؤولية قيادة شؤون هذا الثنائي في حين تتقبل ع.ك الدور القيادي الذي تلعبه أختها بكل أريحية، خصوصاً و أن أختها تتفوق في عدة جوانب من سمات الشخصية.
تعكس هذه النتائج وجود نقاط إيجابية لدى كل توأم و نقط أخرى ينبغي تطويرها، فعلى سبيل المثال الأخت خ.ك تتميز بقدر مهم من الثقة بالنفس تساعدها على تحمل مسؤولية تسيير العلاقات الثنائية بينها و بين أختها التوأم، لكن رغم توفرها على قدرة مهمة على التواصل مع الآخرين إلا أنها تتميز بجدِّية مفرطة تمنعها من الشعور بالارتياح في إطار هذا التواصل، لذلك كانت نصيحتي لها أن تضفي نوعاً من المرح و البشاشة على تفاعلاتها الاجتماعية التي لا تتنافى مع قيم الاحترام و التقدير للآخرين.
أما الأخت ع.ك فهي أيضاً لها كفاءات متميزة في القدرة على التواصل مع الآخرين، و تحسن المزاوجة بين الجدية و المرح في علاقاتها الاجتماعية، لكن ثقتها بنفسها تحتاج إلى تطوير خصوصاً و أنها تلجأ إلى أختها قبل أن تتخذ أي قرار شخصي، و قد أوضحت لها بأن التشاور أمر إيجابي لكن القرار الأخير ينبغي أن يكون صادراً عنها و ليس عن أختها و لا عن أي شخص آخر غيرها.
أما الأخت ع.ك فهي أيضاً لها كفاءات متميزة في القدرة على التواصل مع الآخرين، و تحسن المزاوجة بين الجدية و المرح في علاقاتها الاجتماعية، لكن ثقتها بنفسها تحتاج إلى تطوير خصوصاً و أنها تلجأ إلى أختها قبل أن تتخذ أي قرار شخصي، و قد أوضحت لها بأن التشاور أمر إيجابي لكن القرار الأخير ينبغي أن يكون صادراً عنها و ليس عن أختها و لا عن أي شخص آخر غيرها.
لقد وفقني الله تعالى إلى أن أثير انتباههما إلى أمر مهم و هو أن العلاقة بينهما هي علاقة حميمية و تزيد درجة الوِدِّ بينهما عن تلك العلاقة المؤلوفة بين الإخوة العاديين، و نصحتهم بأن يستغلُّوا الرابطة الخاصة بينهما ليرتقيا بها من مجرد رابطة بشرية فقط، لتصبح رابطة ربانية ليتخذاها معاً سبيلاً للتقرب إلى الله تعالى و الظفر بعنايته الخاصة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه و سلّم قال : « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..» [و ذكر منهم] « ...رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرقا عليه.. » رواه البخاري و مسلم، و المقصود برجلان هنا الرجال و النساء على حد سواء.
إن من مظاهر عظمة هذا الحديث النبوي الشريف أنه يتميز بالواقعية، فهو يذكر المتآخين في الله تعالى بأنه مهما بلغت درجة المحبة التي تجمع بين قلبيهما ومهما طالت لحظات الالتقاء بينهما فلابد من لحظات أخرى يفترقان فيها، فالدراسة و العمل و الزواج سيفرقان لا محالة بين هاذين التوأمين، و ينبغي أن يجدِّدا النية بإخلاص الصادقين بأن يكون الافتراق بينهما لله عز و جل كما ينويان بإخلاص اجتماعهما لله سبحانه و تعالى، لأن الاجتماع و الافتراق في الدنيا سُنَّة إلهية جارية في كل المخلوقات، فعن سهل بن سعد الساعدي أنه قال : جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلّى الله عليه و سلّم فقال : « يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، و اعمل ما شئت فإنك مجزى به، و أحبب ما شئت فإنك مفارقه، و اعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، و عزه استغناؤه عن الناس » رواه الطبراني في الأوسط و حسّنه الألباني.
خاتمة
و رحيق الختام في معرض الحديث عن التوائم المتطابقة، أنه رغم تشابههم في الخصائص العضوية الوراثية إلا أن الخصائص النفسية تعكس وجود اختلافات مهمة بينهم، أي أنهم ليسا متطابقين في كل شيء، و هذا يعكس عظمة أحد أسماء الله الحسنى و هو «المبدع»، فليس تشابه التوائم دليل على وجود تكرار في الخلق الإلهي للنفوس البشرية بل داخل هذا التشابه تجد اختلافاً و تنوعاً مثيراً للإعجاب و التقدير.

المراجع :
1- إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن الكريم ، (ت 774 هـ)، طبعة دارالشعب، تحقيق عبد العزيز غنيم - محمد احمد عاشور - محمد ابراهيم البنا،1392 هـ / 1971 م.
2- Joyce A.Martin, M.P.H ; Brady E.Hamilton, Ph D.; Stephanie J. Ventura, MA ; and others : « National Center for Health Statistics Multiple Births », National Vital Statistics Reports,Volume 61, Number 1, USA –August 28, 2012.
3- Jean-Claude Pons, Christiane Charlemaine et Émile Papiernik, Le guide des jumeaux : la conception, la grossesse, l'enfance, Odile Jacob, Paris-France, 2006.
4- René Zazzo, Les jumeaux : le couple et la personne, 6ème Edition, Presses universitaires de France, Paris, 2009.
5- بدر البوراشدي، دراسة التباينات البيئية والفوق جينية للتوائم المتماثلة لفترة طويلة من الزمن خلال عمر التوائم، تحت إشراف د عباس الجودي، قسم الأحياء كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية جامعة صحا، سلطنة عمان، 1428 هـ / 2007 م.
6- الحمض النووي (ADN): هو الريبي المنقوص الأوكسجين الذي يعد السبب الرئيسي في الاختلاف بين البشر، و قد تمكن العالمان جيمس واطسن (James Watson) و فرنسيس كريك (Francis Crick) الحاصلين على جائزة نوبل في الفيزياء، حيث تمكنا في منتصف القرن العشرين من اكتشاف الشكل الأساسي للحمض النووي، الذي أدى إلى التعرف على كيفية تخزين المعلموات الوراثية.
7- R. B. Cattell et H. Beloff, Manuel d'application du H.S.P.Q : Questionnaire de personnalité pour le niveau secondaire, Traduction réalisée par : Les Éditions du Centre de psychologie appliquée, Paris-France, 1966.
المصدر: واحة النفس المطمئنة

من إعــداد: رضى الحمراني

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.