السعـــادة

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: السبت, يونيو 6, 2015 - 11:25

تعتبر السعادة محطة هامة بين جميع المحطات على طريق النجاح، إذ أنه يمكن للإنسان أن يُحقق درجة معقولة من النجاح في الحياة، دون أن يشعر بالسعادة، ولكن النجاح في الحياة دون السعادة لا يساوي نوع الحياة التي نكدح من أجلها.

فمن الناحية الأدبية، فإن السعادة تعني حالة من الحظ، أما من الناحية النفسية فهي الهناء والجمال والنعمة والنعيم. ويجب أن تعنى كل هذا مُنصهراً في بوتقةٍ واحدة من العيش بصورةٍ مُثلى، إذ يجب علينا إيجاد حالة شعورية حية تمنحنا كل أسباب الرِضا للعيش مع أشيائنا وأعمالنا وأفكارنا ومن هم حولنا.
عندما يكون المرءُ تعيساً، فإنه يقوم بعمله بلا روح ولا حماس، ويصبح القيام بالواجب عبئاً ثقيلاً عليه، ويمر الوقت ببطء شديد، بالإضافة إلى أن العمل لن يكون ممتعاً.
إن حالة الكآبة والتعاسة التي يعيشها المرء لن تساهم في إيجاد حلٍ للمشكلات التي يُعاني منها بل ستزيد من إرباكه.

أ- السعادة واجب إلزامي:

كيف يمكن أن أكون سعيداً؟ سؤالٌ يتردد على ألسنة الفاشلين الذي يُتبِعون هذا السؤال العديد من التسويفات التي تجعلهم عُرضة للشعور بأي شيء ما عدا الشعور بالسعادة. وكانت إجابتي لأحدهم: لأنك لا تريد أن تكون سعيداً ...
أنت لا تستطيع أن تستأجر السعادة، ويمكنك الحصول عليها عن طريق تغيير المسكن، ولا اغتناء السيارة الفارهة، فما دمت لم تصطحب السعادة معك، فلن تجدها في أي مكان مهما خططت للوصول إليها. إن سعادتنا لا تتوقف على الأشخاص أو الأشياء، ولكنها تتوقف على مواقفنا منها. ففي الوقت الذي يشعر فيه إنسان ما بالسعادة العميقة تحت ظروفٍ معينة، يشعر آخرون بالبؤس والكآبة تحت الظروف نفسها.

ب- فهم السعادة:

إن الإنجاز يجلب الرضا في الحياة، فعندما تكون الحاجة ماسة للحصول على شيء ما فإن المرء يسخّر كل طاقته العقلية والجسمية للحصول عليه، وإن شعورنا العميق بالسعادة يحصل في الوقت الذي نرى فيه جهودنا قد أثمرت، وأهدافنا تكللت بالإنجاز والتحقيق.
إن السعادة العميقة تأتي عندما يرى الإنسان أفكاره قد اتخذت شكلاً مجسداً وواقعياً، لذلك يجب عليه أن لا يعدّ تحقيق أهدافه قَدَراً مكتوباً، بل محطة للتأمل السعيد بما تم تحقيقه تمهيداً لبناء قوة عقلية وجسمية للإنجاز المُقبِل الذي يطلُّ برأسه من وراء الأُفق بعدما شارف الإنجاز السابق على التحقيق والاكتمال.
وعندما نفهم أسباب التعاسة الأساسية، يصبح يسيراً علينا جلب السعادة من خلال عملية حذف هذه الأسباب مثل:
1- الافتقار إلى الدين والتديّن به، قال تعالى:" بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد " (سبأ 008)
2- الشعور بالذنب.
3- الإشفاق على الذات.
4- الحسد.
5- الأنانية أو حب الذات.
6- الجبن والبخل.
7- القلق والمخاوف والحزن.

الديـن:

على كل إنسان أن يتخذ له حياة روحية (ديناً)، وأن يعيش وفقاً لهدي تعالميه، فالإنسان بلا دين يكون كروحٍ ضالة تتيه في الظلام. فمع الدين هناك وجود دائم يمنح المرء الهداية والقوة والشجاعة للبقاء صامداً على الدوام حتى في وجه أكبر المصائب وأصعبها. تفحص وتأمل وجه شخصٍ يؤمن بدينه بإخلاص، فسترى إشراق السعادة التي لا تُخطئها العين وهي تشرق منتشية في دنيا الوجود. إن شخصاً كهذا تكون مشكلاته قليلة وإن وُجِدت فحلها ممكن، كما أنه يواجه الظروف متحدياً إياها، انطلاقاً من بقينه أن الله على كل شيء قدير.

2- الشعور بالذنب:

عندما يعاني المرء من عقدة الشعور بالذنب، فإنه بوعيه أو بلا وعيه يشعر أنه ليس مؤهلاً كي يصبح سعيداً. فإذا حدث بالصدفة أن وجد نفسه مبتسماً، فإنه يتوقف عن الابتسامة فجأة انطلاقاً من شعوره بأن السعادة ليس له حصة فيها.
هنالك أمران أساسيان يمكن عملهما للتخلص من الشعور بالذنب: الأول تصحيح الخطأ الذي ارتكبه والذي يسبب الشعور بالذنب (إن وُجِد)، وكان ذلك ممكناً. الثاني: إذا كان لا يستطيع إجراء أي تصحيح للخطأ، فعليه أن يسامح نفسه ويطهِر قلبه وروحه من أي شعور كان يكتنزه في نفسه ضد نفسه، وأن يعلن لنفسه أنه سيتعلم من أخطاءه وينطلق منها متحرراً ليصبح مواطناً صالحاً محباً للآخرين.
إن ظروف العيش في هذه الحياة تصبح أفضل، عندما يدرك المرء ويفهم أخطاءه بصورة صحيحة. إن التقويم الصحيح لأسباب الشعور بالذنب يمكن من حلها، ويقود إلى اكتساب السعادة كنتيجة للتعلم من الخطأ.

3- الإشفاق على الذات:

إن الشخص المليء بالإشفاق على الذات يُعدُّ شخصاً محتاجاً إلى الرثاء، يُعَد الإشفاق الذاتي أحد مخلفات الطفولة، فلا يمكن للمرء أن يشفق على ذاته وأن يكون سعيداً في الوقت ذاته، إذ أن المرء عندما يشفق على ذاته فهو يفعل ذلك ليستدر عطف الآخرين وعلى الأخص أولئك الذين يتصل بهم اتصالاً وثيقاً، فإذا ظهر بمظهر سعيد، فهذا يعني بالنسبة له زوال العطف، لذلك إذا وجد هذا النوع من الناس نفسه مبتسماً فسرعان ما يغيّر وضعه انطلاقاً من الاعتقاد بأن الناس لا يتعاطفون مع السعداء.

4- الحسد:

إن الحسد يدمر السعادة، فإذا وجد الحاسد إنساناً يعيش وسط ظروف أفضل في المأكل والمشرب أو المسكن أو المكانة الاجتماعية، فإنه يشعر بالسخط والكآبة بسبب افتقاره إلى مقومات الحياة الترفيهية.
إن مجرد امتلاك الثروة والمتاع ليس ضماناً للحصول على السعادة، فكم من غنيِّ يملك من الثروة الشيء الكثير، ولكنه لا يشعر بطعم السعادة، وفي المقابل أناس يرزحون تحت وطأة الفقر، ومع ذلك تجدهم في غاية السعادة، وليس بمعنى ذلك أنني لا أقدر قيمة الثروة أو انتقص من قيمتها، لا ولكنني أًصر على أن الفشل في تحقيق السعادة يُعد أمراً محتماً في غياب الموقف العقلي الصحيح.

5- حب الذات (الأنانية):

هل سمعتم بقصة الأفعى التي وضعت ذنبها في فمها وأكلت نفسها؟! ومع شدة غرابة هذه القصة، إلا أنها تشكل تعبيراً عن صورة الشخص الأناني ووضعه. فالأنانية كما يدل عليها اسمها تعني التعلق بالذات وتبدو (تتجلى) عندما يحاول المرء نسبة كل شيء إلى نفسه.
ومع أنه لا يستهلك نفسه - كما هو الحال في مثل الأفعى السخيفة - إلا أنه ينتهي بتدمير سعادته. وردف الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "ليس الغنى عن كثرة العَرَض ولكن الغنى غنى النفس". ويقول تعالى: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ، ولهم عذاب أليم " (آل عمران 188) .
إن الشخص المحب لذاته ينتهك قوانين الطبيعة الأساسية فهو يأخذ دون أن يعطي، أو يعطي أقل مما يأخذ، وفاته أن المزيد من العطاء يجلب المزيد من الأخذ، فإذا لم يحصل الإنسان على كفايته في الحياة، فمعنى ذلك أنه يعيش في مجتمع لا يقدم أفراده العطاء الكافي. إن الحياة السليمة تبدأ من القيام بالواجبات وتأتي الحقوق بعدها كنتيجة طبيعية ومن أسرار الوجود أنك قلما تجد شخصاً أنانياً سعيداً.

6- الجُبــن:

بين الجبن والأنانية علاقة وثيقة. فالجبن - بصورة عامة - انعكاس لحب الذات وعكسها الذات المحبة. فعندما نصل إلى أن نفكر بأنفسنا كمساهمين في تحقيق سعادة المجتمع بدلاً من البحث عن سعادتنا الذاتية فحسب، نكون قد وضعنا أنفسنا على الطريق الصحيح للتخلص من الجبن.
قم بتنمية موقف إيجابي تجاه الآخرين، وفكر بالآخرين من خلال ما تستطيع أن تقدم لجلب السعادة لهم، بدلاً من التفكير بما يستطيع الآخرون تقديمه لجلب السعادة لك، عندها ستتحرر من الخوف ومن الجبن.

7- القلق:

يوصف القلق بأنه الصور العقلية للأشياء التي نكررها، بدلاً من الصور التي نحبها ونرغب في رؤيتها. لذلك فإن القلق والسعادة لا يستطيعان العيش معاً تحت سقف صورة عقلية واحدة.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه بحث أن القلق يدمر السعادة، فمن الحق أيضاً الاعتقاد أن قدراً كافياً من الشعور بالسعادة يطرد القلق، فكما يمكن تصوير القلق بالضباب يمكن تصوير السعادة بنور الشمس، وفي الرحلات الجوية غالباً ما نطير فوق السحب والشمس ساطعة، أما الأرض فيلفها الظلام نتيجة الضباب، والناس يعرفون أنه إذا قُدر للضباب أن ينجلي فإن نور الشمس سيسود. وعلى المرء أن يفهم من ذلك أن تبديد سحب القلق يتم من خلال نشر أشعة السعادة واختراقها لتلك السحب.
إن هنالك شيئاً مهماً لا بد لنا أن نفهمه وهو أننا لا نستطيع أن نستعيد الماضي، ولذلك يتوجب علينا أن نقرر بأن كل تجربة مررنا بها حتى الآن، سواء أكانت طيبة أو سيئة فإنها قد أصبحت تشكل خطوة نحو مستقبلنا. إن تبادل الأحاديث ذات الطابع السلبي يُعّد أداة لتدمير السعادة، فحاول أن لا تكون طرفاً فيها

------------- 

المصدر: وزارة الصحة السعودية

أ. عز الدين عطا المنان 

 
سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.