العقاقير المضادة للصرع والصحة النفسية
منذ ما يقارب نصف قرن من الزمان والعقاقير المضادة للصرع تستعمل في علاج الأمراض النفسية، ولكن الأدلة العلمية لفعاليتها في الصحة النفسية غير واضحة تماماً على عكس تلك الفعالية الطبية في الصرع Epilepsy أما اضطراب الصرع فهو من أكثر اضطرابات الجهاز العصبي ارتباطاً بالصحة النفسية ويمكن القول بأن جميع الأمراض النفسية أكثر شيوعاً في المرضى المصابين بالصرع، والعقاقير المضادة للصرع يتم استعمالها في الكثير من الأمراض النفسية.
هذا الزواج بين الصرع وعقاقيره والصحة النفسية يحتاج إلى بعض التوضيح وربما أفضل الطرق لتقييم هذا الزواج هو مراجعة تأثير هذه العقاقير بحد ذاتها على الصحة النفسية في المرضى المصابين بالصرع حيث يساعد على التخلص من بعض الغموض المصاحب لاستعمال هذه العقاقير وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة.
لوضع الخطوط العريضة لتوضيح المقال يمكن تصنيف المؤثرات النفسية لهذه العقاقير أولاً إلى صنفين:
1-مؤثر إيجابي ونافع على الصحة النفسية.
2- مؤثر سلبي أو مرضي على الصحة النفسية.
تعتمد نتيجة هذا التأثير على عدة عوامل وهي:
1- نمط عمل العقار في الدماغ.
2- ميول عضوية في المريض مثل التاريخ الفردي أو العائلي للأمراض النفسية والإصابة بصعوبات أو عاهات تعليمية..
3- ميول نفسية في المريض من جراء المضاعفات الاجتماعية والنفسية للإصابة بمرض الصرع..
لكي نستوعب أهمية دراسة هذه العلاقة لابد من الإشارة إلى بعض الإحصائيات الميدانية. اضطراب الكآبة 7 شائع في المرضى المصابين بالصرع ( 10 -50 %) ولكن نوبات الاكتئاب التي يمكن الاستنتاج بأنها نتيجة العقار المضاد للصرع تقدر بنحو 30%. أما الاضطرابات الذهانية في المرضى المصابين بالصرع فإن العقاقير المضادة للصرع قد تكون السبب في نحو 40 %11.
تصنيف العقاقير المضادة للصرع:
يمكن تصنيف العقاقير المضادة للصرع إلى صنفين:
1- عقاقير تقليدية.
2- عقاقير جديدة.
تتميز العقاقير الحديثة بأن أعراضها الجانبية تختلف عن العقاقير التقليدية في طبيعتها وشدتها، ولكنها ليست أكثر فعالية كما يتصور البعض، وإنما العكس هو صحيح. هذا هو السبب الوحيد في شهرتها، ولكن رغم ذلك فإن العقاقير التقليدية لا تزال تحتل موقع الصدارة في عدد الوصفات وعدد المرضى الذين يتعاطون العقار في جميع أنحاء العالم.
العقاقير التقليدية
1- الباربيتيورات Barbiturates
رغم أن هذه العقاقير نادرة الاستعمال هذه الأيام ولكنها لا تزال متوفرة عالمياً وتستعمل في العديد من بلاد العالم لعلاج الصرع. هناك عقاران في هذه المجموعة متعلقة بعلاج الصرع وهما:
٠ الفينوباربيتون Phenobarbitone .
٠ البريميدون Primidone .
العقار الثاني يتحول إلى العقار الأول داخل الجسم، ولذلك يستحسن الحديث عنهما وكأنهما عقار واحد.
يؤدي تعاطي هذا العقار إلى اكتئاب في 40% من المرضى سواء كان ذلك في الأطفال أو البالغين11 استعمال هذا العقار في الأطفال غالباً ما يؤدي إلى أعراض نقص الانتباه وفرط الحركة ويستحسن تجنب استعماله دون سن البلوغ. أما توقيف هذا العقار، حتى وإن تم بصورة تدريجية، لطالما يؤدي إلى أعراض انسحابية مثل الأرق وتعكر المزاج.
كذلك فإن العكس صحيح أحياناً وهو أن طول استعمال هذه العقاقير قد يؤدي إلى تغير في سلوك المريض حتى وإن كان تركيزه في الدم طبيعياً. هذه الظاهرة لا تقتصر على عقاقير الصرع فحسب من هذا الصنف وإنما يمكن ملاحظتها في عقاقير أخرى وتعرف بالتسمم السلوكي المزمن Chronic Behavioural Toxicity لا سبيل إلى استعمال العقار دون قياس تركيز الدواء في الدم.
2- الفينيتوين Phenytoin
لا يزال هذا العقار من أكثر العقاقير استعمالاً رغم أعراضه الجانبية التجميلية، والسبب في ذلك أن فعاليته لا غبار عليها لا سبيل إلى استعمال هذا العقار دون مراقبة تركيز الدواء في الدم. قد يؤدي ارتفاع تركيز العقار إلى اضطراب ذهاني دون حدوث أعراض جانبية أخرى توحي إلى ارتفاع تركيز العقار في الدم. هناك حالات نادرة جداً تشابه الخرف أو العته عند استعمال العقار على المدى البعيد.
3- الإيثوسكسمايد Ethosuccimide
ينحصر استعمال هذا العقار في نوبات غياب الوعي أو النوبات الصغرى في الأطفال. تشير الكثير من الدراسات بأن توقف هذه النوبات تماماً قد يؤدي إلى اضطرابات ذهانية في 2% من الأطفال 13. أما عند البالغين فإن الرقم الأخير يرتفع إلى 8% ومن جراء ذلك يستحسن تجنب هذا الدواء بعد سن البلوغ.
4- الكارباميزابين Carbamazepine
يعتبر هذا العقار من أكثر العقاقير المضادة للصرع استعمالاً بعد عقار الصوديوم فالبرويت. تقتصر فعاليته على الصرع الجزئي Partial Seizures أو الصرع المعمم (العام) الثانوي Secondary Generalised Epilepsy أما فعاليته في الصرع العام الأولي فهي إن لم تكن ضعيفة فقد تؤدي أحياناً إلى تدهور السيطرة على النوبات الصرعية وخاصة في الصرع الانتفاضي الحدث Juvenile Myoclonic Epilepsy والذي يعتبر من أكثر أنواع الصرع العام انتشاراً.
تتميز التركيبة الكيمائي لهذا الدواء على احتوائها على الحلقة الثلاثية المميزة للعقاقير المضادة للاكتئاب، ولذلك نادراً ما يكون الاكتئاب أحد الأعراض الجانبية عند استعماله. لابد من قياس تركيز العقار في الدم للسيطرة على النوبات الصرعية وتجنب أعراض جانبية.
تم تجربة واستعمال هذا الدواء في العديد من الأمراض العصبية والنفسية، وكان العقار الثاني بعد الليثيوم في الاستعمال للوقاية من نوبات الاضطراب الثناقطبي. رغم أن موقعه في الوقاية من اضطرابات الثناقطبي لا جدال فيه3، ولكنه أقل فعالية من الليثيوم وجمع العقارين معاً ليس أكثر فعالية ويزيد من ظهور الأعراض الجانبية.
5- الصوديوم فالبرويت Sodium Valproate
هذا أكثر عقاقير الصرع استعمالاً في جميع أنحاء العالم، ورغم بعض النشرات العلمية التي وصفت اضطرابات مخية نادرة من جراء استعماله، ولكنه يكاد يكون خالياً من أعراض جانبية سلوكية ونفسية. كذلك يتصدر العقاقير الأخرى استعمالاً في نوبات الهوس الثناقطبي 1 لكنه أعراضه الجانبية الأخرى من السمنة المفرطة والمبيض المتعدد الأكياس Polycystic Ovary شائعة، ويجب توقي الحذر في وصفه للنساء على المدى البعيد. لابد من تجنب إعطاء الدواء في فترة الحمل.
العقاقير الجديدة
تتميز العقاقير الجديدة المضادة للصرع بأن أعراضها الجانبية النفسية أقل من العقاقير القديمة ولكن يجب الانتباه بأنها ليست أكثر فعالية في علاج الصرع. أما استعمالها في اضطراب الثناقطبي والاكتئاب فيتميز بضعف الدليل العلمي الذي يمكن الاستناد عليه باستثناء عقار واحد وهو اللامتروجين. العقار الأخير تم إثبات فعاليته في علاج اضطراب الاكتئاب الناتج من اضطراب الثناقطبي فقط أو ما يسمى باكتئاب الثناقطبي. دون ذلك من الصعب تبرير استعمال هذه العقاقير في الاضطرابات النفسية الشديدة.
1- الفيكاباترين Vigabatrin
أصبح استعمال هذا العقار معدوماً من جراء تأثيراته السلبية العضوية على الجهاز العصبي. تقدر نسبة النوبات الذهانية5 والاكتئاب الناتجة عن استعماله ب3%.
2- اللامتروجينLamotrigine 6
رغم أن العقار يستعمل لعلاج الاكتئاب الثناقطبي ولكن استعماله قد يؤدي إلى الأرق وتعكر المزاج. كذلك يتسبب أحياناً في ظهور اضطرابات سلوكية في الأطفال والمرضى المصابين بصعوبات تعليمية.
3- ألفيلباميت Felbamate
هذا العقار نادر الاستعمال ويكاد يكون مختصراً على متلازمة لينوكس كاستوت Lennox – Gastuat Syndrome قد يؤدي استعماله إلى زيادة في الأرق والاضطرابات السلوكية وخاصة الأطفال والمصابين بصعوبات تعليمية.
4- الكابينتين Gabapentin
أصبح هذا العقار كثير الاستعمال في العديد من متلازمات الألم المزمن، واستعماله في علاج الصرع أصبح نادراً بعض الشيء وقلما يستعمل بمفرده. يتميز كذلك في كثرة الاضطرابات السلوكية في الأطفال والبالغين المصابين بالصعوبات التعليمية وخاصة إذا تم زيادة الجرعة اليومية بسرعة.
5 - التياكابين Tiagabine
تكمن مشكلة هذا العقار بأنه قد يؤدي أحياناً الى زيادة النوبات الصرعية عند تجاوز تركيز معين في الدم. يصاحب استعماله احتمال حدوث نوبات ذهانية (2%) واكتئاب في ما لا يقل عن 10% من المرضى. كذلك يصاحب استعماله اضطرابات في السلوك عند الأطفال والمرضى المصابين بصعوبات تعليمية10.
6- التوبيراميت Topiramate
بالإضافة إلى الصرع يكثر استعمال هذا العقار للوقاية من الصداع النصفي (الشقيقة). رغم كثرة وصف هذا العقار للوقاية من اضطراب الثناقطبي فليس هناك بحوث أثبتت فعاليته ويستحسن عدم استعماله.
يتميز هذا العقار بزيادة نسبة النوبات الذهانية2 والتي يمكن حدوثها في 12% من المرضى مقارنة بالعقاقير أعلاه. يزداد احتمال هذه النوبات مع زيادة الجرعة في المرضى المصابين بالصرع. لا يخلو هذا العقار من أعراض عصبية جانبية ولذلك لا يحبذ استعماله في الطب النفسي.
7- الليفيتيراسيتام Levetiracetam
هناك إجماع بأن الاكتئاب 2.5% والنوبات الذهانية 0.7% قد تحدث في المرضى المصابين بالصرع عند استعمال هذا العقار 4 لكن الأكثر عموماً من ذلك هو السلوك العدواني الذي يصاحب استعمال هذا العقار في 10% من المرضى. أما في الأطفال فإن نسبة هذا السلوك (ويضاف إليه سلوك انتحاري) قد تتجاوز60%.
8- ألزونيسيمايد Zonisamid
الاضطرابات الذهانية والاكتئاب مع استعمال هذا العقار11 تتناسب طردياً مع الجرعة وتقدر بحوالي 2%.
9- ألبريكابلين Pregabalin
لا يستعمل هذا العقار بمفرده لعلاج الصرع ويجب إضافته لعقار آخر. لا يوجد دليل قوي على وجود مضاعفات نفسية وسلوكية من جراء استعمال العقار. في الأعوام الخمسة الماضية بدأ استعماله لعلاج الألم العصبي ونوبات الهلع يطغى على استعماله في الصرع.
10- لاكوسمايد Lacosamide
عقار جديد ولا توجد دراسات كافية للتنبيه إلى أعراض نفسية وسلوكية.
11- اوكسكاربازابين Oxcarbazepine وأسليكاربازابين Eslicarbazepine
العقاران مشتقان من العقار التقليدي الكارباميزابين ولا توجد دراسات كافية توحي بأن الاعراض الجانبية السلوكية والنفسية تختلف عن العقار الأم.
آليات التأثير السلوكي للعقاقير
هناك أربعة آليات تفسر تأثير العقاقير المضادة للصرع على السلوك، وأحياناً أي عقار له تأثيره على الجهاز العصبي وهي:
1- تسمم تابع لجرعة العقار Dose Dependent Toxicity
2- تأثير تمييزي للعقار غير تابع لجرعة العقار Idiosyncratic Dose Independent Effect
3- تأثيرات انسحابية Withdrawal Effects من جراء سحب العقار فجائياً أو تدريجياً.
4- تأثيرات العقار غير المباشرة من جراء فعاليته الضد تشنجية Indirect Effect Related to its Anticonvulsant Activity
لا شك بأن العامل الأول نادر في الممارسة الطبية السليمة والعامل الثاني يصعب التخمين به. العامل الثالث لابد من تفاديه في كل مريض يتعاطى هذه العقاقير. يقودنا العامل الرابع إلى ظاهرة يكثر الحديث عنها في علاج الصرع منذ نصف قرن من الزمان وهي ظاهرة التطبيع الإجباري Forced Normalisation8 تتطرق هذه الظاهرة إلى عودة رسم التخطيط الكهربائي للمخ إلى حالة طبيعية ويصاحب ذلك ظهور أعراض اضطرابات سلوكية وذهانية. بعبارة أخرى إن الظاهرة لا يمكن الاعتماد عليها إلا بعمل تخطيط مخ كهربائي12 وليس كافياً التشخيص سريرياً، وعلى ضوء ذلك يستحسن البعض استعمال مصطلح المتلازمات البديلة Alternative Syndromes9. المصطلح الأخير يتطرق إلى الاضطرابات السلوكية والنفسية المصاحبة للسيطرة الكاملة على النوبات الصرعية.
يجب الانتباه إلى أن التطبيع الإجباري والمتلازمات البديلة من الصعب مشاهدتها في مرضى الصرع الذين يتم تشخيصهم حديثاً وإنما في المرضى المصابين بالصرع المزمن الذي لم تتم السيطرة عليه بالعقاقير لأعوام عدة. كذلك لا يقتصر ملاحظة هذه الأعراض بعلاج الصرع بالعقاقير فقط وإنما يشمل ذلك السيطرة عليه بعد التداخل الجراحي.
الكاتب: د. سداد جواد التميمي
المصادر:
1- Blowden,C.; Singh,V.(2005). Valproate in bipolar disorder 2000 onwards. Acta Psych Sacnd 111, Supp s 426: 13-20.
2- Crawford,P.(1998). An audit of topiramate use in general neurology clinic. Seizure 7: 207-11.
3- Denicoff, K.; Smith-Jackson, E.; Dsiney,E.; Ali,S.; Leverich,G.; Post,R.(1997). Comparative prophylactic efficacy of lithium, carbamazepine, and the combination in bipolar disorder. J Clin Psych 58(11): 470-8.
4- Estrada, G.; Wildrick,D.; Prantazelli,M.(2002) Neuropsychiatric Complications of levetiracetam in children with epilepsy. Abstract, American Psychiatric Association.
5- Jawad, S., Clarke, E., Richens,A.(1994). Vigabtrin –induced psychosis, management problems. Seizure 3(4): 309-310.
6- Jawad, S., Richens,A., Goodwin,G.; Yuen,W.(1989). Controlled trial of lamotrigine(lamicatl) for refractory partial seizures. Epilepsia 30(3): 356 -366.
7- Kanner,A.; Kozak,A.; Frey,M.(2000). The use of sertraline with epilepsy: is it safe. Epilepsy and Behaviour 1: 100 -5
8- Landolt, H.(1958). Serial electroencephalographic investigations during psychotic episodes in epileptic patients and during schizophrenic attacks. In: Lorentz de Haas AM,ed. Lectures on Epilepsy. Amsterdam: Elsevier, 1958:91 -131.
9- Matsuura, M. Epileptic psychoses and anticonvulsant drug treatment(1999). J Neurol Neurosurg Psychiatry 10(20): 52 -4.
10- Schapel,G.; Chadwick,D(1996). Tiagabine and non- convulsive status epilepticus. Seizure 5: 153-6.
11- Trimble,M; Ruasch,N.; Betts,T.; Crawford,P.(2000). Psychiatric symptoms after therapy with new antiepileptic drugs: psychopathological and seizure related variables. Seizure 9: 249-54
12- Wolf,P.(1984). The clinical syndromes of forced normalisation. Fol Psychiat Neurol Jpn 38: 187 -192.
13- Wolf,P.; Inoue,Z.; Roder-Wanner,U.; Tsai, J.(1984). Psychiatric complications of absence therapy and their relation to alteration of sleep. Epilepsia 25: 56-9.
المصدر: مجانين دوت كوم