ضغوط العمل و أساليب موجهتها
تعد الضغوط سمة من سمات العصر الحديث، ونتيجة لإفرازات تفاعلات العناصر المدنية المعقدة والتطور التكنولوجي والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ورغم الآثار السلبية المترتبة عليها ، لكن يمكن إدارتها والتحكم فيها بتحسين قدرات الأفراد على التكيف، وتنمية القيم الإدارية الملائمة لديهم، والسيطرة على العوامل المؤثرة في المناخ العام للشركة او المؤسسة للتصدي لها قبل وقوعها أو الاستفادة منها وتوجيهها التوجيه السليم.
ويمكن أن نصنف مصادر ضغوط العمل إلى أربع مجموعات هي:
1- الفيزيقية: وتشمل البيئة المادية التي تلعب دوراً كبيراً في صنع الضغوط في منظمات العمل كعوامل الإضاءة، ودرجة الحرارة، والضوضاء، وتلوث الهواء، والمخاطر على الأمن وسلامة الموظف.
2- جماعة العمل: وتشمل ضعف العلاقة مع الزملاء، والمرؤوسين والمديرين، والافتقار إلى تماسك الجماعة، والصراع بين أفراد الجماعة، ونقص الدعم الاجتماعي من الجماعة ومؤازرتها.
3- الشخصية: وتشمل عوامل صراع الدور، وغموض الدور، والعبء الزائد والمنخفض في العمل، وقلة الرقابة والمسؤولية، وعدم الاستقرار الوظيفي، وعدم توافر فرص التقدم والترقية والنمو المهني.
4- التنظيمية: وتشمل عوامل ضعف تصميم الهيكل التنظيمي، وعدم وجود سياسة محددة وواضحة، وعدم المشاركة في اتخاذ القرارات .
الآثار الناتجة عن ضغوط العمل:
الأشخاص الذين يتعرضون لضغوط عمل شديدة عرضة لكثير من النتائج السلبية التي تتركها تلك الضغوط، عندما لا يستطيعون تحمل تلك الضغوط العالية أو التعامل معها بطريقة إيجابية وإن تباينت الاستجابة من فرد لآخر.
وذلك لأنّ أي نوع من التوتر أو الانفعال لا بد أن يصحبه نوع من التغيرات البدنية الظاهرة والتغيرات الفسيولوجية الداخلية، هذه التغيرات يتم التحكم فيها من خلال الجهاز العصبي الذي ينظم الجسم من خلال السيطرة على أجهزة الجسم الأخرى بروابط عصبية خاصة تنقل له المثيرات المختلفة الداخلية والخارجية ويستجيب لها بشكل تعليمات توجه إلى أعضاء الجسم، تؤدي إلى تكييف نشاط الجسم ومواءمته لوظائفه المختلفة للحياة بانتظام وتكامل، وبالتالي يستطيع الجسم أن يتفاعل مع بيئته الداخلية والخارجية. لذا فإننا عندما نمر بحالة من الضغط والتوتر فإنه يمكن ملاحظة التغيرات التي تحدث في أجسامنا من الشعور بزيادة ضربات القلب، أو ارتفاع ضغط الدم، أو زيادة معدل التنفس، أو تصبب العرق وجفاف الحلق، استجابة لتلك الضغوط التي نتعرض لها، ونتيجة لاستثارة العضو العصبية، والهرمونية للغدد الصماء والاتصال الداخلي للجهاز العصبي وجهاز المناعة .
التأثيرات الصحية: كثيرة هي الدراسات التي تربط بين ضغوط العمل والمشكلات الصحية والنفسية التي تؤكد على أن الضغوط تؤدي إلى تضخم عضلة القلب وبالتالي إلى أمراض القلب والشرايين. كما قام الدكتور بارفوت وهو باحث في جامعة نورث كارولينا الأمريكية بدراسة متابعة استمرت 25 عامًا اتضح له من خلالها أن الأفراد الذين تحصلوا على مراتب عالية من الغضب من اختبار عادي للشخصية معرضون بنحو خمس مرات إلى الموت بسبب الإصابة بنوبة قلبية أكثر من نظرائهم الذين هم أقل غضباً.
كما ذكرت إحدى الدراسات أنه على المدى الطويل فإن استمرار تعرض الفرد لضغوط العمل يمكن أن يؤدي إلى أمراض القرحة، والتهاب المفاصل، وتلف الكبد، وسرطان الرئة، ومختلف أمراض القلب، كما أن البعض حاول أن يثبت وجود علاقة بين ضغوط العمل والأمراض العقلية. والعديد من الأمراض لأن الضغوط تضعف جهاز المناعة لدى الإنسان، وتقلل من قدرته على مقاومة الأمراض. والتعب بدون جهد يذكر، وارتفاع الحرارة أو انخفاضها .
أما فيما يتعلق بالمشكلات النفسية التي تسببها الضغوط فهي على سبيل المثال : الاكتئاب، والقلق، والإحباط، والملل، والتوتر العصبي .
التأثيرات السلوكية: عندما تتجاوز الضغوط مستوياتها العادية تترجم إلى العديد من ردود الأفعال السلوكية التي يتخذها الفرد ضد نفسه أو المؤسسة التي يعمل بها والتي تتمثل في الغياب غير المبرر عن العمل، والنزعة العدوانية، والتخريب ، والإرهاق، والإفراط في الأكل، أو اللجوء إلى التدخين أو الإدمان. بوصفها نمطاً من أنماط ردود الأفعال السلوكية تجاه ضغوط العمل.
التأثيرات التنظيمية: يتضح مما سبق أن ثمة علاقة وثيقة بين ضغوط العمل والآثار الصحية والسلوكية التي قد تطرأ على الفرد بسببها، والمتضرر من هذه الآثار ليس الفرد فقط بل تمتد بدورها لتشمل المنظمة التي يوجد بها الفرد، حيث ينبثق من تفاعل الجانب الصحي والسلوكي لأفرادها الذين يمثلون حجر الزاوية في أية مؤسسة العديد من المخرجات التي تؤثر على القيم التنظيمية واستراتيجيتها التنفيذية التي تتحكم في مسيرتها.
فإذا لم تعر المؤسسات ضغوط العمل الاهتمام الكافي فسوف يكلفها ذلك بالتأكيد كثيراً من الخسائر التي تنتج بسبب الآتي:
- قلة الاستفادة من الخبرات والقدرات المتوافرة في العمل بشكل جيد.
- ضعف مبادرة العاملين وابتكارهم لأساليب حديثة تساعد في تحسين العمل وأدائه بشكل أفضل.
- إعاقة قدرات العاملين على التصرف المستقل في إنجاز الأعمال؛ والقدرة على تحمل مهام المسؤوليات خاصة ما يحتاج منها إلى قرارات.
- تبديد وقت العمل وعدم استثماره في إنجاز الأعمال بالسرعة والدقة المطلوبتين لعدم انتظام العاملين بالدوام الرسمي، وقلة تركيزهم.
- هدر الإمكانات المادية المتاحة وعدم الاستفادة منها بشكل جيد في تنفيذ المهام الموكلة للعاملين.
- تعقد العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين وبين الزملاء فيما بينهم أو بين العاملين والمستفيدين من الأعمال التي تقدم خدمات مباشرة للجمهور.
الجدير بالذكر أن من الممكن أيضاً أن يكون لضغوط العمل المنخفضة آثار سلبية على المؤسسة توازي آثار ارتفاع الضغوط فيها، حيث تؤدي الضغوط المنخفضة إلى انعدام النشاط لدى العاملين والدافعية المحركة لإشباع حاجاتهم وتحسين مستوى أدائهم، لوجود مستويات ضغوط معينة تعمل بوصفها مثيرات للأداء الجيد.
علاقة ضغوط العمل بالأداء الوظيفي:
يفترض أن يؤدي التوافق بين قدر العمل الذي يمارسه الفرد وإمكاناته الخاصة إلى ارتفاع الأداء والشعور بالرضا، في حين إن عدم التوازن بين تلك الأطراف يؤدي إلى زيادة حدة الضغوط على الموظف بوصفه فرداً ، وإلى تدني عامل الرضا لديه لوجود علاقة بين الضغوط ومستوى أداء العاملين حيث يدل وجود مستوى أداء منخفض على وجود حالات من الضغوط بمستويات عالية بسبب محدودية القدرة والتأهيل والمهارة، وبالعكس إذا كان مستوى الضغوط منخفضاً فإنه يدل على زيادة أداء العاملين بشكل طبيعي، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن تلك العلاقة العكسية ستكون متذبذبة بناء على اختلاف شخصيات العاملين واستجابتهم للعوامل المؤثرة .
وهذا بطبيعة الحال سيؤثر على التكلفة الإنتاجية. حيث تؤكد بعض الدراسات العلمية على وجود علاقة تناسب طردية بين مستوى الضغوط المهنية السلبية والتكلفة الناتجة عنها، تتمثل في شكل حرف U لأن العلاقة الرابطة بينهم علاقة منحية تزداد مع الضغوط السالبة مؤدية إلى زيادة التكاليف الإنتاجية
لضعف الولاء الوظيفي للعاملين الذي يتسبب في قلة الدافعية للعمل وتحين الفرص للتغيب عنه، وتأخر إنجاز الأعمال، وعدم الحرص على إنجازها على الوجه المطلوب، وقلة الحرص على تطوير الذات والمهنة، واختفاء العلاقات الإنسانية مع الزملاء والمستفيدين، وعدم المرونة في التعامل معهم. أو بسبب التأثيرات الجسمية التي أوجدتها ضغوط العمل كأمراض القلب، واضطرابات الهضم والقرحة، والروماتيزم … وغيرها؛ أو النفسية كالشعور بالاكتئاب، والقلق، وعدم الاستقرار، واضطرابات الشخصية، والإحباط، والكآبة، والشك بالقدرات الذاتية، وأهمية الدور الذي يقدمونه، والشعور بالاضطهاد.
ويفسر ذلك الدراسات الوجدانية التي تعتقد أن الضغوط تفرض على الفرد أن يكون متجهاً بحواسه وطاقته النفسية والعقلية إلى مصادر الضغوط وإلى التكيف معها، مما يجعل من الصعب عليه أن يؤدي عمله بانتباه عال لإيجادها نوعاً من المضايقة والإحباط الذي يؤثر سلبياً على الحالة المزاجية والدافعية للعمل وعليه ينخفض مستوى الأداء.
وفي الاتجاه المعاكس أشارت نتائج بعض الدراسات إلى وجود علاقة إيجابية بين الأداء وضغوط العمل، فعندما يكون مستوى ضغط العمل منخفضاً جداً أو منعدماً فإن العاملين أيضاً يقل مستوى أدائهم، وذلك لانعدام النشاط أو الدافعية له. أما في مستويات الضغوط المتوسطة فإن العاملين يستحثون لتحسين مستوى أدائهم، لأنه في حقيقة الأمر يوجد مستويات ضغط معينة يمكن أن تعمل بوصفها مثيراً للأداء، لذا عندما ترتفع مستويات ضغط العمل إلى أقصى الدرجات فإن الأداء ينخفض مرة أخرى بصورة ملحوظة نتيجة لتكريس الفرد قدراً من جهده وطاقته لتخفيف الضغط الواقع عليه بدلاً من توجيه جهده نحو الأداء، وعندما يستمر الضغط على المستوى العالي لفترة طويلة يشعر الفرد بضرورة التغيير قبل أن يصيبه الانهيار، وتظهر في هذه المرحلة أعراض متعددة من أهمها العدوانية والتخريب أو ترك العمل والغياب.
أساليب مواجهة الضغوط :
من الممكن أن يواجه الإنسان الضغوط التي يتعرض لها ويتعامل معها بفاعلية ويحد من آثارها السلبية عليه، وقد نجد بعض الأفراد المقاومين للضغط STRESS RESISTANT الذين يتمتعون بالصحة النفسية والجسدية ولا يظهر عليهم غير أعراض طفيفة من التوتر رغم ما يواجهونه من ضغوط، في حين أن زملاء لهم يشعرون أو يصابون بأمراض مختلفة لتعرضهم لمصادر الضغوط نفسها لقدرتهم على التكيف مع المشكلات التي يواجهونها ويستطيعون التعامل معها بفاعلية، ومن أبرز تلك الاستراتيجيات للتعامل مع ضغوط العمل الآتي:
1- الرجوع إلى الدين: للدعم الروحي والانفعالي والرضا والهدوء، وتجاوز المواقف الضاغطة بالإكثار من العبادات والدعاء المتصل لله سبحانه وتعالى الذي يضفي على النفس الهدوء والسكينة، ويزيد الفرد قوة على تحمل الضغوط .
2- الكشف الطبي وممارسة الرياضة والهوايات: إن التعرض المستمر لضغوط العمل له تأثيرات سلبية على الصحة، ومن ثم فإن الكشف الطبي الدوري يعد بداية إجراءات التخلص من ضغوط العمل أو التخفيف منه بمعالجة نتائجه الصحية باتخاذ الإجراءات الطبية المناسبة حيالها مع محاولة تكوين عادات صحية سليمة كالإقلاع عن التدخين، والتقليل من شرب المنبهات من شاي وقهوة، ومحاولة تخفيف الوزن.
3- تغيير مفهوم فلسفة الحياة وإعادة بناء الذات : وتتكون هذه الإستراتيجية من عدد من الإجراءات تشمل الآتي:
أ- إعادة التفسير الإيجابي : وهي تفسير الموقف الضاغط في إطار إيجابي يقتضي تغيير أهداف الفرد وتعديلها، ويساعد هذا على تحويل المواقف الضاغطة السلبية إلى مواقف إيجابية تساعد الفرد على استرداد أفعال نشطة توجه نحو مصدر المشكلة.
ب- التفكير الرغبي والتفاؤل: بالانشغال بالمستقبل، وتخفيف حدة التفكير في زوال المشكلة وما تسببه من توترات. وأفضل ما يمكن أن يقام به هو عدم استباق الأحداث مع التفاؤل بأن الغد سيكون أفضل مما سبق.
4-تغيير نمط السلوك من خلال التدريب: وهي إستراتيجية تسعى إلى تعديل سلوك الفرد في استجابته لمصادر ضغوط العمل من خلال الممارسة لتحقيق التغير المطلوب والتي تتناول:
أ- الراحة والاسترخاء: بالحصول على فترات راحة مناسبة خلال وقت العمل، بجانب إجازة رسمية بعيداً عن جو العمل وضغوطه، مع ضرورة عدم التفكير في المشكلات التي تزعجه وممارسة الهوايات والأنشطة الرياضة المحببة إلى نفسه.
ب- التريث وكبح الغضب: محاولة إجبار الذات على عدم الانفعال والانتظار للوقت المناسب وعدم التسرع. وبالرغم من أن هذه الاستراتيجية تبدو سلبية إلا أنها تجعل سلوك الفرد موجهاً نحو التعامل بفاعلية مع الموقف الضاغط، وتحقق له الاسترخاء والتأمل في مصادر الضغوط ومسبباتها والعمل على التقييم الهادئ الموضوعي لها، ومراجعة النفس دون انفعال، مما يكشف عن الأخطاء الحقيقية للضغوط أو حجمها الحقيقي الذي يريح الفرد في النهاية في التعامل مع الضغوط.
ج- القبول والاستسلام: وهو قبول الواقع ومعايشته كما هو والاعتراف به، وإن كانت هذه الاستراتيجية تتضمن موقفاً سلبياً من الفرد تغيب فيها فاعلية حل الموقف إلا أنها تساعد على التخلص من تخفيف الضغوط .
5- التأييد الاجتماعي : ويتمثل في البحث عن المساندة الاجتماعية من قبل الفرد إما للحصول على المعلومات التي تساعد على فهم المشكلة التي تسبب الضغط لإيجاد أساليب لحلها أو للمساندة العاطفية التي تعين على تحمل موجة الانفعال بإقامة علاقات صداقة حميمة مع أفراد يشعر بالارتياح لهم ويثق باتزانهم وصحة حكمهم على الأمور.
6- فرص العمل البديلة: تستخدم هذه الاستراتيجية بعد فشل جميع المحاولات السابقة حين يعتقد الفرد أن ضغوط العمل الواقعة عليه قد تعدت الحد وأنها تقرب به من نقطة خطر، ومن ثم فإن ترك العمل والبحث عن فرصة عمل أخرى بديلة لتغيير الموقف كله هو الحل الوحيد.
7- طلب المساعدة من المتخصصين: يلجأ الفرد إلى هذا الأسلوب عندما لا تجدي المحاولات السابقة في إعادة بناء الشخصية، حيث إن الضغوط قد تكون من الحدة بحيث يعجز الشخص عن مواجهتها بالأساليب السابقة مما يحتم طلب المساعدة من الأشخاص المتخصصين في معالجة الضغوط من أطباء علم النفس. ومن أعراض الضغوط التي يقرر الفرد بعدها اللجوء إلى مختص الآتي:
أ- شعور الفرد بالأعراض العضوية والنفسية الشديدة كأمراض القلب؛ والتهاب المفاصل؛ وآلام الظهر؛ والاضطرابات الهضمية؛ والاضطرابات الجلدية؛ والاكتئاب .
ب- طول المدة التي يتعرض لها الفرد للاضطرابات الصحية أو النفسية من جراء ضغوط العمل، الشعور العام بعدم القدرة على الأداء بشكل سليم.
جـ-عدم القدرة على التخلص من المشكلات المسببة للضغوط أو الإخفاق في العمل أو الحياة بصفة عامة بسبب الضغوط.
د- صعوبة الانسجام مع أشخاص محددين في العمل مثل الرؤساء، أو مع أشخاص آخرين بشكل عام.
هـ- الشعور بالفشل والإخفاق في تحقيق الأهداف الشخصية أو العملية، أو القنوط من الحياة والرغبة في الموت مما يترتب عليه انسحاب الفرد من كثير من أنشطة الحياة التي كان يمارسها من قبل وقوعه في دوامة الضغط.
د.صلاح الدين السرسي