كيف تعامل المريض النفسي
الكثير من الناس يعانون من الحيرة والارتباك عندما يواجهون بالتجربة الأولى فى المعاملة مع المرضى النفسيين .ويوجه الأهل هذا السؤال دائما للطبيب النفسى ..."كيف نتعامل مع المريض "؟ . واليك بعض النصائح عن طرق التعامل مع المرضى النفسيين .
أولا : ما هو شعورك نحو المريض النفسي :
هل أنت خائف من المريض ؟ هل تخشى أن يؤذي أحد أفراد أسرتك ؟
هل تخشى أن يؤذى نفسه ؟.... إذن تكلم عن خوفك مع الطبيب أو الأخصائي الاجتماعي أنه سوف يكون صادقا معك إذا سألته... إذا كان هناك أي سبب للخوف فسوف يخبرك عنه ، وكذلك سوف يساعدك لاتخاذ احتياطيات ذكية ضد هذه المخاطر. ولكن إذا لم يكن هناك سبب كبير للخوف، وهذا هو الغالب فان طمأنته لك سوف تساعد على تهدئة المخاوف التي لا داعي لها .
هل تشعر بالذنب تجاه المريض لبعض الأسباب ؟... هل تشعر أنك بطريقة ما تسببت في حدوث المرض ؟ ...هل تخشى أنك تسببت في إضافة ما جعله مريضا ؟ انك بالتأكيد لا تساعد المريض بلوم نفسك والنظر في الأشياء التي فعلتها خطأ ... كل هذه الأفكار يجب أن نتكلم عنها مع الطبيب أو الأخصائي النفسي أو الاجتماعي .
ثانيا: عند عودة المريض من المستشفي للبيت :
عند عودة المريض للبيت وأثناء فترة النقاهة تكون هناك مشاكل عديدة يجب مواجهتها . إن أي مريض سواء حجز بالمستشفي بمرض نفسي أو عضوي يكون عادة غير مطمئن عند مغادرته للمستشفي . الخروج من جو المستشفي الآمن الهادئ يكون مجهدا للمريض لأنه في أثناء العلاج بالمستشفي كان الانفعال والتوتر بسيط بحيث يمكن تحمله ولذلك في خلال الأيام والأسابيع الأولى في المنزل يجب على الأسرة أن تحاول أن تعطي بعضا من الحماية التي كان يحصل عليها وأن تعود نفسها على متطلبات المريض . الأشياء التي قد تبدو بسيطة مثل الرد على التليفون ومصافحته الناس أو التخطيط للواجبات قد تكون مقلقة للشخص الذي خرج حديثا من المستشفى . كذلك فإن للأقارب دور هام في مرحلة النقاهة .... أن عليهم أن يلاحظوا أن علاج المستشفى يشفى الأعراض المرضية التي تقعد المريض ولكن من الجائز ألا يشفى المرض نفسه... هذا لايعنى أن المريض لا شفاء له ولكن يعنى أنه لم يشف تماما.
أثناء الأيام الأولى في البيت يكون المريض متوترا ومن الممكن أن تظهر بعض أعراض المرض مرة أخرى إذا تعرض المريض لضغوط شديدة .وعلى أسرة المريض يجب أن تلاحظ هذا وتعد الأشياء بحيث لا تكون ضغوط الحياة اليومية فوق طاقة المريض في حالته الحالية...ليس من السهل أن نعرف الحد الأدنى والأقصى الذي يستطيع المريض تحمله ولكن يمكنك أن تعرف ذلك بالتعود
وهناك بعض الأشياء التي يجب تجنبها مثل:
1) الاختلاط المبكر مع عدد كبير من الناس: المريض يحتاج للوقت للتعود على الحياة الاجتماعية الطبيعية مرة أخرى ولذلك لا تحاول أن تحثه على الاختلاط لأنه سوف يضطرب أسرع بهذه الطريقة …ومن الناحية الأخرى لا تتجاوز المعقول وتعزله عن كل الاتصالات الاجتماعية.
2) الملاحظة المستمرة : إذا كان المريض مشغولا ببعض الأعمال لا تحاول مراقبته باستمرار لأن ذلك يجعله عصبيا وهذا ليس مطلوبا .
3) التهديد والنقد : لا تحاول تهديد المريض بعودته للمستشفى ،ولا تضايقه وتنقد تصرفاته باستمرار وبدون مبرر كاف .
4) عدم الثقة في استعداده للعودة للبيت : ثق في المريض واحترم رأى الطبيب المعالج في إمكان عودته للبيت .
ثالثا : ظهور التوتر والتحسن أثناء فترة النقاهة :
واحد من الأشياء التي من المحتمل أن تواجهها العائلة هي التصرفات غير المتوقعة من المريض وهذا أحد الفروق الهامة بين الأمراض النفسية والجسمانية . المريض الذي كسرت ساقه يحتاج إلى فترة علاج بسيطة يعقبها فترة نقاهة بسيطة يعود بعدها للحياة الطبيعية ، ولكن المريض النفسي يبدو يوما ما طبيعياً ولا يعانى من التهيؤات المرضية ثم في الفترة التالية مباشرة يمكنه أن يشكو من المرض ثانية ..متهما زوجته بأشياء يتخيلها … شاكيا أنه لا يحصل على العدل في عمله أو أنه لا يحصل على النجاح الذى يستحقه في الحياة.
بالنسبة للأقارب كل هذه التصرفات معروفة لهم فقد شهدوه من قبل في المرحلة الحادة لمرضه والآن ها هي تصدر ثانية من شخص المفروض أنه أحسن !... عندئذ فان الألم والحيرة تجعل بعض أفراد الأسرة يأخذ موقفا سلبيا لأى محاولة لعودة المريض للإحساس الطبيعي… ولكن ببعض كلمات هادئة لشرح الحقيقة وبتغير الموضوع بطريقة هادئة ثم العودة فيما بعد لشرح الحقيقة سوف تمنع المرارة وتساعد المريض على تقبل الواقع.
فترة النقاهة تحدث فيها نوبات من التحسن والقلق خصوصا أثناء المرحلة الصعبة الأولى للنقاهة- بينما المريض يتعلم كيف يلتقط الخيوط للعودة للحياة الطبيعية مرة أخرى - لذلك يجب على الأسرة أن تتحمل وتصبر إذا ظهر تصرف مرضي مفاجئ في مواجهة حادث غير متوقع .
رابعا : لا تسأل المريض أن يتغير
لا فائدة من أن نطلب من المريض أن يغير تصرفاته ، انه يتصرف كما يفعل لأنه مريض وليس لأنه ضعيف أو جبان أو أناني أو بدون أفكار أو قاس… أنه لا يستطيع كما لا يستطيع المريض الذي يعانى من الالتهاب الرئوي أن يغير درجة حرارته المرتفعة . لو كان عنده بعض المعرفة عن طبيعة مرضه - ومعظم المرضى يعلمون بالرغم من أنهم يعطون مؤشرات قليلة عن معرفتهم للمرض - فانه سيكون مشتاقا مثلك تماما لأنه يكون قويا وشجاعا ولطيفا وطموحا وكريما ورحيما ومفكرا ، ولكن في الوقت الحالي لا يستطيع ذلك. هذا الموضوع هو أصعب شئ يجب على الأقارب أن يفهموه ويقبلوه ... ولا عجب أنه يأخذ جهدا كبيرا منك لكي تذكر نفسك أنه" المرض" عندما تكون مثلا الهدف لعلامات العداء المرضية من الأخت، أو عندما تكون الوقاحة والخشونة والبرود هو رد أخيك لكل ما تقدمه وتفعله له. ولكن يجب أن تذكر نفسك دائما أن هذا هو جزء من المرض.
خامسا : ساعد المريض لكى يعرف ما هو الشيء الحقيقي :
المريض النفسى يعانى من عدم القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي . وربما يعانى كذلك من بعض الضلالات (الاعتقادات الخاطئة ) ...ربما يعتقد أنه شخص آخر وأن شخصا ما مات منذ فترة ما زال حيا أو أن بعض الغرباء يريدون إيذاءه ... انه يدافع عن هذه المعتقدات الخاطئة بالطريقة التى قد يدافع بها أى فرد منا بعناد ومكابرة عن شئ ما غير متأكد من صحته ...من وراء دفاع المريض حيرة ما بين الحقيقى وغير الحقيقى . انه يحتاج مساعدتك لكى تظهر الحقيقة ثانية أمامه. ويحتاج أيضا أن تجعل الأشياء من حوله بسيطة وغير متغيرة بقدر الإمكان.
إذا ظل المريض يراجعك مرة بعد مرة عن بعض الحقائق الواضحة،حينئذ يجب أن تكون مستعدا بسرعة وبصبر وحزم بسيط لكي تشرح له الحقيقة مرة أخرى
يجب ألا تتظاهر بقبول الأفكار المرضية والهلاوس كحقيقة واقعة ،وعلى الجانب الآخر لا تحاول أن تحثه على التخلص منها .ببساطة قل له أن هذه الأفكار ليست حقيقة ودع الأمر عند هذا الحد من المناقشة .
عندما يفعل أشياء لا تقبلها لا تتظاهر بقبولها. إذا تضايقت من سلوكه قل له ذلك بصراحة ولكن وضح له أنك متضايق من سلوكه وليس منه شخصيا ، وعندما يقوم بسلوك لا يتنافى مع الواقع يجب أن تكافئه عليه .
لكي تساعده على معرفة الحقيقة يجب أن تكون صادقا معه ، عندما تحس بشىء ما لا تخبره بأنك تحس بشىء آخر. عندما تكون غاضبا لا تقل له أنك لست غاضبا .
تجنب خداعه حتى في المواضيع البسيطة ... من السهل خداع هؤلاء المبلبلين ولكن كل خدعة تجعل التعلق الضعيف بالحقيقة أقل يقينا ...وإذا لم يجد المرضى النفسيين الحقيقة والواقع بين هؤلاء الذين يحبونهم فأين يجدونها ؟
سادسا : لكى تخرجه من عالمه الداخلي :
نتيجة للمرض النفسي فان المريض يرغب في العزلة التي تبدو له سهلة وأكثر أمانا. المشكلة التي يجب عليك مواجهتها هي أن تجعل العالم من حوله أكثر جاذبية . هذا سوف يتطلب تفهما وإدراكا من جانبك ... إذا ابتعدت عنه أو تجاهلته أو تكلمت عنه في وجوده كأنه ليس موجودا، عندئذ فانه سوف يكون وحيدا ولن يجد في نفسه حافزا لكي يشارك في الحياة من حوله. وفي الجانب الآخر إذا دفعته في وسط الحياة الاجتماعية بينما يشعر هو بالخوف من مقابلة الناس الذين لا يعرفهم ،وإذا لم يستطع التحمل فان ذلك سوف يدفعه للعودة إلى عالمه الداخلي والانطواء مرة أخري.
يجب أن ننتظر ونأخذ الإشارة منه أولا... مثلا إذا أراد زيارة الأهل والأصدقاء فيجب أن تسمح له بذلك ولكن بدون اندفاع . و إذا دعاه بعض الأقارب إلى الزيارة وتناول الغداء ووعد بتلبية هذه الدعوة ووجدت أنت أنه غير مستعد لهذه الدعوة فيجب أن تتدخل بهدوء لمساعدته في التخلص من هذه الدعوة بدون إحراج له.
اذهب معه إلى الأماكن العامة الهادئة وافعل الأشياء التي لا تكون مثيرة أو مقلقة أكثر من اللازم مثل مشاهدة مباراة الكرة في التليفزيون بهدوء وبدون انفعال . شجعه على متابعة الهوايات والمشاركة فيها إذا رحب بذلك.
سابعا : أعط حوافز في جرعات صغيرة :
يجب أن تعطى المريض حوافز بصورة منتظمة -مثل بعض كلمات التشجيع أو بعض الهدايا البسيطة -إذا بدأ يخرج من عزلته ولكن يجب أن تكون الحوافز مستحقة ، فانك عندما تكافئ شخصا غير جدير بهذه المكافأة فان هذه المكافأة تكون مؤذية ومهينة . وربما يفرح بهدية لا يستحقها في البداية لكنه بعد ذلك سوف يفقد الثقة حتى إذا كان يستحق المكافأة بحق
د. محمود جمال أبو العزائم