تدريب الثقة في النفس وتأكيد حرية التعبير عن المشاعر
من الجوانب الشخصية التي تبين ارتباطها بالنجاح أو الفشل في العلاقات الاجتماعية ، ما يسمى بالتوكيدية ASSERTIVENESS أو تأكيد الذات ، أو ما أطلقنا عليه في موقع آخر حرية التعبير عن المشاعر ( إبراهيم 1995 ) .
يشير مفهوم تأكيد الذات إلى خاصية تبين أنها تميز الأشخاص الناجحين ، من وجهتي نظر الصحة النفسية والفاعلية في العلاقات الاجتماعية . كان أول من أشار إلى هذا المفهوم وبلوره على نحو علمي ، وكشف عن متضمناته الصحية ، هو العالم الأمريكي " سالتر " ( Salter 1994 ) الذي أشار إلى أن هذا المفهوم يمثل خاصية أو سمة شخصية عامة ( مثلها مثل الانطواء أو الانبساط ) ، أي أنها تتوافر في البعض فيكون توكيدياً في مختلف المواقف ، وقد لا تتوافر في البعض الآخر ، فيصبح سلبياً وعاجزاً عن توكيد نفسه في المواقف الاجتماعية المختلفة . وجاء بعده " ولبي " ( WOLPE , 1958 ) و " لا زاروس" LAZARUS 1966 اللذان أعادا صياغة هذه الخاصية ، بحيث أصبحت تشير إلى قدرة يمكن تطويرها وتدريبها ، وتتمثل في التعبير عن النفس والدفاع عن الحقوق الشخصية عندما تخترق دون وجه حق . ومن ثم أشارا إلى أن بإمكان أي فرد أن يكون توكيدياً في بعض المواقف ، وسلبياً في مواقف أخرى . ومن ثم يكون هدف العلاج النفسي أن ندرب الفرد الذي يعاني من المرض النفسي أو العقلي ، على أن يتطور بإمكانياته في التعبير عن التوكيدية والثقة بالنفس في المواقف التي كان يعجز فيها عن ذلك . ونظراً لما تمثله هذه الخاصية من أهمية في فهم الاضطراب النفسي ، فقد تحولت الأذهان في الفترات الأخيرة إلى ابتكار كثير من البرامج لتدريب هذه القدرة . وبابتكار هذه البرامج أصبح بالإمكان التخفيف من كثير الأعراض المرضية ، التي يلعب فيها القصور في المهارات الاجتماعية أحد العوامل الرئيسة ، بما في ذلك القلق والاكتئاب . ويمثل برنامج تدريب المهارات الاجتماعية وتدريب القدرة التوكيدية والمستخدم في العيادة السلوكية بكلية الطب ، جامعة الملك فيصل تحت إشراف المؤلف ، أحد هذه البرامج التي أثبتت الخبرة فاعليتها في البيئة العربية ، وقبل الدخول في تفاصيل هذا البرنامج ، نشير فيما يلي إلى بعض الحقائق الخاصة بمفهوم التوكيدية ، وكيفية قياسها .
التوكيدية في نقاط :
أصبح مفهوم التوكيدية من المفاهيم المستقرة ، التي أثبتت فائدتها في العلاج النفسي والسلوكي ، كما تنوع استخدامها بحيث أصبحت تشير إلي أكثر من معنى ، أمكننا حصر بعضها على النحو التالي :
1- الدفاع عن الحقوق الشخصية الفردية المشروعة سواء في الأسرة أو العمل ، أو عند الاحتكاك بالآخرين من الغرباء أو الأقارب .
2- التصرف وفق مقتضيات الموقف ، ومتطلبات التفاعل بحيث يخرج الفرد في هذه المواقف منتصراً ، وناجحاً ، ولكن دون إخلال بحقوق الآخرين .
3- التعبير عن الانفعالات والمشاعر بحرية ، أي الحرية الانفعالية .
4- التصرف من منطلقات نقاط القوة في الشخصية ، وليس نقاط الضعف ، بحيث لا يكون الفرد ضحية لأخطاء الآخرين أو الظروف .
5- التوكيدية تتضمن قدراً من الشجاعة وعدم الخوف من أن يعبر الفرد عن شعوره الحقيقي ، بما في ذلك القدرة على رفض الطلبات غير المعقولة ، أو الضارة بسمعة الإنسان وصحته .
6- التحرر من مشاعر الذنب غير المعقولة أو تأنيب النفس عند رفضنا لهذه المواقف أو استهجاننا للتصرفات المهينة .
7- القدرة على اتخاذ قرارات مهمة ، وحاسمة وبسرعة مناسبة ، وبكفاءة عالية .
8- القدرة على تكوين علاقات دافئة ، والتعبير عن المشاعر الإيجابية ( بما فيها المحبة ، والود ، والمدح ، والإعجاب ) خلال تعاملنا مع الآخرين ، وفي الأوقات المناسبة .
9- القدرة على الإيجابية والتعاون وتقديم العون .
10- القدرة على مقاومة الضغوط الاجتماعية ، وما تفرضه علينا أحياناً من تصرفات لا تتلائم مع قيمنا .
11- المهارة في معالجة الصراعات الاجتماعية ، وما يتطلبه ذلك من تقديم شكوى ، أو الاستماع إلى شكوى ، والتفاوض ، والإقناع ، والاستجابة للإقناع ، والوصول إلى حل وسط ... إلخ .
باختصار فإن التوكيدية تتضمن كثيراً من التلقائية ، والحرية في التعبير عن المشاعر الإيجابية والسلبية معاً ، وهي بعبارة أخرى تساعدنا على تحقيق أكبر قدر ممكن من الفاعلية والنجاح عندما ندخل في علاقات اجتماعية مع الآخرين ، أو على أحسن تقدير ، تساعدنا على ألا نكون ضحايا لمواقف خاطئة ، من صنع الآخرين ، ودوافعهم في مثل هذه المواقف .
سؤالنا الآن : ما الذي يجعل من خاصية تأكيد الذات جانباً من جوانب الصحة النفسية ؟ ولماذا تمثل التوكيدية أحد الجوانب التي ينبغي على المكتئبين تدعيمها ؟
من اليسير استنتاج إجابة هذا السؤال بإعادة النظر إلى ما ورد في السطور السابقة . فالتوكيدية تعني ـ من ضمن ما تعنيه ـ أن تكون لدينا القدرة على أن نفتح للآخرين أنفسنا ومشاعرنا ، وهي بهذا المعنى تعني عدم الخوف من أن تطلع الآخرين على مشاعرك ، بدلاً من أن تخفيها بداخلك ، ولهذا يسهل على التوكيدي أن ينمي علاقة سهلة ودائمة ودافئة بالآخرين ، بسبب ما تخلقه من طمأنينة متبادلة ، وتواصل ، وعدم خوف من كشف الذات ، ويمثل هذا النوع من العلاقات الإيجابية جانباً من الجوانب المهمة في التغلب على الاكتئاب ، فنحن نشعر بالاكتئاب عادة عندما نفشل في أن نجد علاقة أو أكثر فيها هذا الدفء .
و في بيئاتنا العربية ، يوجد أكثر من سبب يجعلنا نشجع على تنمية التوكيدية بصفتها طريقاً للصحة النفسية . فتنميتها تساعد على تجنب كثير من جوانب الإحباط ، والجوانب المنفردة التي ترتبط بطبيعة العلاقات الاجتماعية في بلادنا . وهنا قد أجد ضرورة إلى أن أشير إلى وجود نمط من الناس يخلقون نوعاً من العلاقات التي يسميها علماء النفس : علاقات مسمومة TOXICATING RELATIONSHIPS ... هذا هو النوع المجادل ، الذي يتبرع للمنافسة في كل كبيرة أو صغيرة ، ويحاول جهده أن يسفه من رأيك ، ويقلل من مجهوداتك ، وبعبارة أخرى يبني رأيه على النقد والمنافسة ، وهدم الآخرين أو الإقلال من شأنهم . هذا النوع من الأشخاص الذي يخلق جواً من العلاقات المسمومة قد يكون سائق تاكسي ، أو زميلاً في العمل ، ربما حتى رئيسك ، أو حتى أقرب المقربين . وتبين دراسة الاكتئاب ، أنه قد يكون في أحياناً كثيرة نتيجة مباشرة لهذا النوع من العلاقات ، ومن هنا تنبع أهمية تأكيد الذات . فمن الصعب أن تكون موضوعاً للامتهان من سائق تاكسي ، أو من رئيسك في العمل ، أو من زملاء المهنة ، أو غير هؤلاء من أشخاص أوقعتك الظروف معهم في علاقات مسمومة من هذا النوع ، ما دمت مدرباً على التعبير عن مشاعرك الإيجابية والسلبية وأن تكون قادراً على إعلانها بصوت مسموع .
مثال هذا :
حالة سيدة في الثلاثينيات من العمر متزوجة ، ولها أربعة أطفال : ثلاث فتيان وابن رزقت به بعد طول انتظار ، ومنذ شهور قليلة قبل حضورها للعيادة السلوكية . عندما قدمت إلينا ، وكان زوجها معها طلبت من زوجها وبثورة واضحة أن تراني بمفردها ، وما أن جلست تحكي مشكلتها حتى أجهشت ببكاء شديد ، ولما تمالكت نفسها ذكرت أنها تعيش في أسرة الزوج ، أي مع إخوته وأمه في بيت واحد بحكم تقاليد المجتمع ، وذكرت أنه لا يمر يوم دون الدخول في صراعات ومنافسات مع أمه وأخواته ، وكل منهن تحاول أن تستميله إلى جانبها ، وأنهن ينصحنه أمامها بأن يتزوج من امرأة أخرى تنجب له أطفالاً ذكوراً ( في الفترة التي لم تكن فيها قد أنجبت ابنها الأخير ) . وذكرت " أن الأمور تسير على هذا المنوال " في هذه العلاقات منذ أن تزوجت ، وعندما سألتها كيف كانت تستجيب لذلك ، أجابت بالغضب والثورة أحياناً ، وأحياناً بالبكاء بمفردها ، والشكوى من الألم والوحدة لكل من يسمع لها . كان من الواضح أنها طورت علاقة لم تكن قائمة على تأكيد الذات ، فقد تراوحت استجاباتها بين الانفعال بالغضب والهياج أو الاكتاب والانزواء ، وكل ما كانت تفعله في هذه المواقف هو الشكوى " من حال الدنيا ، والتعاسة التي تعيشها " لكل من ينصت لها ، أي أنها كانت تعزز بشكواها مزيداً من سوء الحال مزيداً من الاضطراب . وكان ذلك يساعد على استمرار الحلقة المسمومة من هذه العلاقات ، التي تتدهور حتى في علاقتها مع الزوج الذي كانت أيضاً تثور عليه وتتهمه بالجبن والتواطؤ ، ولما كان من الصعب عليها وعلى زوجها أن يعيشا مستقلين بعيداً عن أسرته ، فقد رسمت لهذه السيدة خطة علاجية لمساعدتها على التعبير عن احتياجاتها في ظل الظروف التي تعيش فيها ، ووضعنا الاختيارات الممكنة ، ثم أمكن تدريبها بعد ذلك على التعبير عن الاحتياجات والحلول التي بلورتها بطريقة تأكيدية ، وقد أخذ ذلك منها تقريباً سبع جلسات استطاعت بعدها أن تكون علاقة هادئة ومستقلة ، بدلاً من العلاقة المسمومة ، سارت خطتها العلاجية وفق خطوات منها :
1- التدريب على الاسترخاء كطريقة من طرق مقاومة القلق والضغوط .
2- تجنب الانفعال عندما تواجه بالرفض أو النقد .
3- لا ترفضي ولا تؤيدي رأيهم فيك ، لأن الرفض يدفعهم إلى تأكيد وجهات نظرهم ، وانتقاء أنواع السلوك بشكل مبتسر لكي يبينوا أنهم على حق .
4- بدلاً من المواجهة بالرفض أو الانفعال ، حاولي أن تنظري إلى الأمور من وجهة نظرهم ، على أن تعيدي صياغتها لهم بشكل يضمن حصيلة من الكسب المتبادل لك شخصياً ولهم : أي يضمن ألا يظل المناخ من حولك عدائياً ، وفي نفس الوقت ألا يشعروا بأنهم هزموا في صراعهم معك . فمن المؤكد ( إلا إذا كان جميع أفراد هذه الأسرة يعانون من مرض عقلي ) ستختلف الأمور ، وسيختلف نمط العلاقات لو " أظهرت أنك تتفهمين سبب انشغالهم بموضوع الإنجاب ( أو أي موضوع آخر يثير الاضطراب في العلاقة بأسرة الزوجين ) ، وأنك ربما كنت ستشعرين نفس الشعور لو كان لك ابن أو أخ في نفس الظروف ، ولكن موضوع الإنجاب ليس بيدك الآن وأن هناك محاولات منك للبحث عن علاج ، وحتى لو فشل هذا العلاج فإن العلاقة بزوجك ليست مجرد إنجاب ولكن هناك دوراً أو أدواراً أخرى يمكن أن تلعبيها بإيجابية في حياته وحياتهم ، ولهذا الغرض فانت تحتاجين إلى مساعدتهم لك ، ودعمهم لك لتقومي بدورك بينهم على أحسن وجه " .
كان هدفنا أن نبين لهذه السيدة أن العلاقات الدائمة ، تحتاج إلى مهارة أكثر من مجرد الانفعالات وتبادل الاتهامات ، وأن الحلول الإيجابية هي تلك التي تضمن محاولة لكسر الحلقة المفرغة الخبيثة ، التي يمكن أن تسود مثل هذه العلاقات إذا ما سمحنا للانفعالات والغضب ، أن يكونا هما الأسلوبين الوحيدين للعلاج . و في نفس الوقت طلبنا منها أن تضع في خلال 15 دقيقة قائمة بما تحتاج إليه بالفعل في الظروف الحالية ، وأن تضع خمسة حلول لمشكلتها الرئيسية على فرض أنها سمعتها من صديقة أخرى لها ، وأن تبين ما هي الصعوبات التي قد تعيق تنفيذ هذه الحلول . وأن تحدد من بإمكانه في داخل الأسرة أن يساعدها دون خلق مشاكل إضافية . لقد استطاعت هذه السيدة فيما لا يزيد عن شهرين من الجلسات الأسبوعية أن تعيد إدراكها وفهمها لأفراد الأسرة ، ومشاعرهم ، كما استطاعت أن توطد علاقة إيجابية بزوجها ووالدته ، وفوجئت بالدعم والدفء الذي لقيته من أفراد الأسرة في هذا الإتجاه ، ولما كانت تشعر بضرورة أن يكون لها بيت مستقل فقد أثارت هذه الحاجة لدى زوجها فتبين لها أنه كان يفكر في ذلك بالفعل ، وأنه يعمل على ذلك ، وأن أهله لا يمانعون من هذا ، بل يشعرون بالطمأنينة إذا ما تم ذلك الآن ، وفي ظل العلاقة الإيجابية الدافئة التي خلقتها داخل الأسرة ، ولم تعد الأم تخشى من أن يكون استقلال ابنها نوعاً من الفقدان له .
ومن ناحية أخرى ، عادة ما يحصل المدربون في هذه الخاصية على مكاسب وفوائد إيجابية أكثر ممن هم أقل توكيدية . أي أن التعبير الإيجابي عن النفس يعود علينا بإيجابية مماثلة ، مما يساعد على خلق حلقة حميدة من العلاقات الاجتماعية ( في الظروف العادية ومالم يكن أحد الطرفين مصاباً بمرض عقلي ، فإن تفهم الآخرين ، والتصرف بإيجابية معهم ، سيدفع إلى نفس الاستجابة ، مما سيزيد من فرص الإحتكاك والتفاعل الإيجابي بين الطرفين ) .
ولأن التوكيديين يتكلمون أكثر ، ويعبرون عن مشاعرهم في داخل الجماعة بحرية أكبر ، فهم يعطون الآخرين فرصة أكثر للتعبير المماثل عن مشاعرهم . ومن ثم ، فإن التعبير عن المشاعر بثقة يخلق جواً إيجابياً سهلاً ، ويساعد على تنمية جو اجتماعي دافيء وبناء . كل ذلك يجعل من هذه الخاصية أحد المتطلبات الرئيسية للصحة بشكل عام ولمقاومة الاكتئاب بشكل خاص .
فإلى أي مدى أنت قادر على تأكيد الذات ؟ وفي أي المواقف تجد صعوبة في تأكيد ثقتك بالنفس ؟ و في أي المواقف تجد صعوبة في التعبير عن نفسك ؟ وكيف يمكنك تدريب هذه المهارة في شخصيتك ؟ هذه هي الأسئلة التي سنجيب عنها في الجزء التالي ..
** مزاعم خاطئة عن التوكيدية :
لاحظت خلال تعاملي مع مرضاي أن البعض منهم ، خاصة في البدايات الأولى من التدريب على تأكيد الذات ، قد يسلكون أو يتصرفون على نحو عدواني وصاخب مع الآخرين . بعبارة أخرى ، قد يفسر البعض منا التوكيدية تفسيراً سلبياً خاطئاً . ومن ثم تصبح التوكيدية بالنسبة لهذا البعض مرادفة للغضب ، والصياح ، والتسلط ، ومواجهة الآخرين بعيوبهم ، والإلحاح في الطلبات المعقولة أو غير المعقولة . بالطبع قد يتطلب التدريب على التوكيدية في البدايات الأولى ، ممارسة بعض هذه التصرفات بوعي وبدرجات محسوبة . لكن التوكيدية في معناها الصحي لا تتضمن هذا المعنى السلبي ، ولهذا فإن المريض يجب أن يفهم أن من متطلبات تدريب القدرة على تأكيد الذات أن نتجنب :
- نوبات الحنق وثورات الغضب ، فأنت عندما تترك الغضب يملكك ، تسمح لانفعال هدام منفرد كالقلق أو الغضب بأن يسيطر عليك ، وأن يكون أسلوبك في مواجهة مختلف أنواع الضغوط .
- ضع حدوداً للغضب ، فالغضب جنون مؤقت ، فإذا كانت بعض تصرفات زملائك أو أطفالك أو أفراد أسرتك تثير غضبك الدائم ، فمعنى ذلك أنك تسمح لهم باكتشاف إحدى نقاط الضعف ، التي يمكن أن تستغل من قبلهم حتى لو بحسن نية لإثارتك ، ناهيك عن أن البعض من غير المقربين قد يتمنون إثارتك لإظهارك بصورة إنسان أحمق ومنفعل وطائش ، صحيح أن الصحة النفسية قد تتطلب أحياناً التعبير عن انفعالاتنا بصدق بما في ذلك الغضب ، لكن التعبير التوكيدي يتطلب وعيك الواضح بنفسك وأنت في قمة الانفعال ، كما يتطلب منك إدراكاً جيداً للحدود التي يجب أن تكون قادراً عندها على إيقافه ، كما يتطلب أن تكون على إلمام ببعض المهارات الاجتماعية ـ التي سنعرض بعضها فيما بعد ـ التي تمكنك من التعبير عن مشاعرك ، دون أن تسمح لنفسك أن تكون تحت رحمة الانفعالات .
- من المهارة أن تتوقف عن الدخول في المنافسات والمواجهات الحمقاء ، خاصة تلك التي تتضمن تعدياً على أدوار الآخرين ، مثال ذلك العلاقة بالرؤساء أو الأساتذة ، أو المشرفين ، لعلك تتذكر أن دورهم يتطلب إعطاء أوامر أو توجيهات ، امنحهم السلطة التي يتطلبها أداؤهم للدور الممنوح لهم .
- تذكر أيضاً أنك تقوم بدور مماثل في مواقف أخرى وأن القدرة على تأكيد الذات في مضمونها الصحي ، هي أن تخرج انت والأطراف الداخلة معك في مختلف العلاقات الاجتماعية بالظفر والكسب المتبادل ما أمكن.
- ومن الأخطاء أيضاً أن نسرف في المجادلة ، أو محاولة إظهار أننا على حق ، أو أن نبين للآخر أنه غير منطقي ، خاصة مع الذين لا يجدي معهم هذا الأسلوب ، أو عندما تكون مخطئاً ، مثال ذلك إذا استوقفك رجال الأمن أو الشرطة للتفتيش ، أو إثر خطأ معين ، أو شك في خطأ فإنك بمحاولتك للجدل معهم وإظهارهم أنهم على خطأ ، أو أنهم متحيزون لأنهم لم يوقفوا هذا أو ذاك مثلك ، فإنك بهذا قد لا تعالج مشكلة ـ كما تتطلب التوكيدية . بل تخلق مشكلة إضافية قد تكون أسوأ مما لو أنك قد سمحت للأمر بأن يسير على النحو الطبيعي ، أو مما لو أنك اعترفت بالخطأ وأظهرت أنك لم تكن تعني ما حدث من أخطاء وأنك ستراعي مستقبلاً أن تتجنب ذلك .
- كما يجب أن تكون على قدر من المهارة وتأكيد الذات بحيث ترفض أن يجرك أحد إلى مجادلة أو مناقشة سخيفة ، أو مملة ، بيّن بوضوح له أو لها أنك لا تريد الدخول في مهاترات أو جدل ، وأنك لن ترضى بأقل من مناقشة هادئة قائمة على الاحترام المتبادل .
- كذلك كن على وعي بالنصائح التي يتبرع بإعطائها لك المحيطون بك ، بمن فيهم الأصدقاء وأفراد الأسرة المقربون ( والحكمة تقول : اللهم احمني من أصدقائي ، أما أعدائي فأنا كفيل بهم ) . فالغالبية العظمى من هذه النصائح تأتي من ظروف مختلفة ، وتوضع من وجهة نظر مختلفة ، وتعبر عن احتياجات خاصة لدى هؤلاء الآخرين كما أنها تعكس في الغالب دوافعهم الشخصية التي مهما بلغ نبلها فإنها قد لا تعكس تماماً فهمك الخاص للموقف الذى تتفاعل معه ، ولا يتعارض مع رفضك لذلك ، أن تحاول أن تستفيد من ملاحظات الآخرين وخبراتهم في التعامل مع المواقف المماثلة . فملاحظتنا للآخرين واستفادتنا من تجاربهم في وضعها الأسلم عادة ما يجب أن تكون على نحو قصدي أي أننا نختار بدافع شخصي أو بتوجيه من المعالج ( بهدف علاجي ) أنماطاً من الأداء والسلوك فعال وناجح ، ونحن عندما نوجه اهتمامنا للآخرين لا نوجهه لنصائحهم بقدر ما نوجهه لأساليبهم السلوكية التي أنجحتهم في حل مشكلات مماثلة أو معالجة ضغوط أو أداء سلوك فعال بما في ذلك تعبيراتهم البدنية واللفظية ومهاراتهم الحركية واللغوية ، وقدراتهم على مغالبة الانفعالات وما يكون قد تطور لديهم من مهارات اجتماعية بديلة للتغلب على الانفعالات .
** التعرف على مصادر الضعف والقوة في التعامل مع الآخرين :
أصبح بالإمكان تقدير القدرة على تأكيد الذات ، وتحديد مصادر الضعف في هذه الخاصية . في المواقف العلاجية عادة ما نجد سهولة واضحة في تكشف نقاط الضعف في هذه الخاصية . فمن ناحية نجد أن المريض نفسه على دراية واضحة بضعفه في جانب معين ، وربما يكون دافعه الأساسي لطلب العلاج هو عجزه عن المطالبة بحقوقه . أو التعبير عن نفسه في المواقف التي تتطلب علاقة بالسلطة أو الجنس الآخر ، أو عجزه عن الحديث في موقف يتطلب الكلام عن إمكانياته ونقاط القوة لديه ، ويشعر بالأسى والأسف بعد ذلك لأنه ترك الفرصة تمر دون أن اقتناصها ... إلخ .
وقد عودتني خبرة التعامل مع المريض العربي أن تكون المشكلات المرتبطة بالعجز عن توكيد الذات هي المشكلة الرئيسية ، إذا جاء المريض يشكو بطريقة تفتقر للتحديد من ضعف الشخصية . فهنا عادة ما نحاول أن نبلور شكواه ، ونجعلها أكثر تحديداً من خلال طرح عدد من الأسئلة عما يعنيه بالضبط ( ضعف الشخصية مثلاً ) ، وبإعطاء أمثلة عن متى كانت آخر مرة أو آخر موقف شعر فيه بذلك ؟ وأن يشرح لي موقفاً أو مواقف أخرى انتابه خلالها نفس الإحساس بالضعف أو العجز عن التعبير عن نفسه ؟ وماذا حدث في هذه المواقف بالضبط ؟ وكيف استجاب ؟ وهل دائماً يحدث أو يستجيب بذلك ؟ ومن كان حاضراً في ذلك الموقف أو المواقف ؟
وفي العادة نتبين من هذه الأسئلة دون صعوبة كبيرة علامات الافتقار إلى التوكيدية ، والمواقف النوعية التي تظهر فيها ، فضلاً عن الأخطاء التي يرتكبها المريض في مثل هذه المواقف ، ومن هنا تبدأ الخطة العلاجية ، بحسب الخطوات التي سيأتي ذكرها كلما تقدمنا في قراءتنا لهذا الفصل .
وقد نعجز أحياناً لأسباب مختلفة ، خاصة في المواقف الحادة من الاكتئاب ، أو عندما يكون الاكتئاب مصحوباً بدرجة عالية من القلق الاجتماعي تعيق الفرد عن التفاعل الجيد بالموقف العلاجي ، قد نعجز عن التشخيص السريع لجوانب المشكلة . هنا نلجأ إلى استخدام مقاييس الشخصية المعدة لهذا الغرض . وهنا أيضاً نجد لحسن الحظ أن هناك عدداً من اختبارات الشخصية التي تساعد من ناحية ، على تقدير مستوى الشخص من حيث القدرة على تأكيد الذات ، كما تساعد من ناحية أخرى على تحديد المجالات النوعية المرتبطة بالعجز عن تأكيد الذات . ولهذه المقاييس ميزة إضافية أخرى ، لأنها تساعد على العلاج الذاتي في الظروف التي لا يتاح فيها العثور على معالج سلوكي كفء يرسم له خططاً علاجية موجهة لهذا الغرض .
ومن اختبارات الشخصية التي لقيت اهتماماً على المستوى العربي ، مقياس تأكيد الذات الذى سبق أن أشرنا إليه في ترجمة عربية مبكرة . ونظراً لأهمية هذا المقياس ، ونظراً لارتباطه بموضوعنا الحالي ، فإننا ننصح القاريء بالعودة إليه ( إبراهيم ، 1995) . أما الاستبيان المرفق ( مقياس تأكيد الذات شكل 2 ) فهو يمثل مقياساً آخر من المقاييس التي تبين خبرتنا في البيئة العربية فائدته الواضحة في تحديد ، وتشخيص جوانب الضعف ، في خاصية التوكيدية ، وتأكيد المشاعر في مجموعة من المواقف التي اختيرت بعناية وفق إطار علاجي ـ عربي . وتتبلور أهمية هذه الأداة التشخيصية في مدى ما تمنحنا من تقييم نوعي SPECIFIC لأنواع القصور والعجز في التعامل مع قطاع متباين من المواقف الاجتماعية المتباينة ، وبعد حصر هذه الجوانب يمكن إخضاعها مباشرة للعلاج وفق عدد من الخطوات سنجملها في تدريب التوكيدية لدى المكتئبين في خمس خطوات :
يتطلب تدريب التوكيدية عادة خمس خطوات على النحو التالي :
1- 1- تحديد مناطق الضعف والمواقف التي تشعر فيها بضعف القدرة على التعبير على المشاعر والافتقار إلى التوكيدية ، وذلك من خلال الملاحظة الذاتية أو باستخدام مقاييس التوكيدية المقننة .
2- 2- ضع هذه المواقف ومناطق الضعف مرتبة على حسب أهميتها في قائمة شخصية للذات ( سيأتي شرحها) .
3- 3- مراقبة الذات في مختلف المواقف الاجتماعية التي تظهر فيها صعوبات التعبير أو السلوك التوكيدي ، فضلاً عن أنواع السلوك التوكيدي الجديدة التي تتطلب الممارسة .
- 4- الممارسة التخيلية .
- 5- الممارسة الفعلية .
وفيما يلي شرح لكل خطوة منهـا :
الخطوة الأولى :
تتضمن الخطوة الأولى من التدريب أن تجمع ، وتحدد المواقف المختلفة التي تشعر فيها بصعوبة تأكيد الذات ، ويكون ذلك بالإجابة على المقياس السابق .
الخطوة الثانية :
ضع أربعة أو خمسة من المواقف الدالة على ضعف التوكيدية لديك في قائمة مستقلة أي المواقف التي تتوافر فيها المحكات الآتية :
1- 1- أن تكون المواقف التي اخترتها من المواقف التي تجد صعوبة في الوقت الحالي في التعامل معها بثقة وتوكيدية .
2- 2- أن الموقف يحدث بطريقة منتظمة ، ( على الأقل مرة كل شهر ) ، أي أنه من حيث الشيوع يمثل مشكلة لك .
3- 3- أن تصوغ الموقف بطريقة متوازنة ، بحيث لا يكون عاماً جداً . ومن الأمثلة على الصياغات الشديدة العمومية: ( عندي ضعف في الشخصية ، أو إنني لا أحسن الحديث ، أو إنني مندفع ) . كما لا ينبغي ألا تكون الصياغة شديدة النوعية والخصوصية ( مثلاً : في اجتماع سابق شعرت بأنني أهنت ، ولم استطع أن انتقم لنفسي ، أو أنني خسرت مبلغاً من المال ، أو تقطعت علاقتي مع أحد ) . فالصياغة العامة جداً تجعل من العسير عليك القيام بعملية تشخيص جيد للأشخاص ، والمواقف التي يتعذر عليك خلالها أن تحقق قدرتك على تأكيد الذات . والصياغة الشديدة الخصوصية قد ترتبط بموقف يتعذر تكراره ، ومن ثم فقد تستنفذ جهداً لا ضرورة منه للتدريب على مواجهته ، بينما قد لا يحدث مرة أخرى ، ومن الصياغات الجيدة التي تحقق التوازن المطلوب الأمثلة التالية :
• أشعر بأنني أنفعل بشدة عندما أريد أن أعبر عن وجهة نظري في اجتماع عام .
• أجد نفسي استأذن أكثر من اللازم لكي أقول رأيي في موضوع معروض للمناقشة ، ومع أناس في مستواي أو أقل مني .
• أفراد أسرتي يشكون من أني لا أعطيهم وقتاً كافياً .
• ألاحظ أنني لا استطيع أن أعتذر عن ضيق وقتي ، إذا اتصل بي تليفونياً أحد الزملاء "للدردشـة".
• أجد صعوبة ف بدء محادثة ، أو في استمرارها خاصة مع الأشخاص في مواقع السلطة
• زملائي يعتقدون أنني شديد الانفعال والغضب والاندفاع .
4- 4- أن يمثل الموقف أو المواقف التي اخترتها مشكلة فعلية تعاني منها ، وتؤثر في الصحة النفسية ، أو الجسمية ، أو علاقاتك الأسرية والمهنية .
5- 5- أن تغطي المواقف التي اخترتها مجالات متنوعة كالمنزل والعمل والمدرسة .
الخطوة الثالثة :
ضع المواقف التي اخترتها في النموذج المرفق بعنوان تدريب القدرة على تاكيد الذات : نموذج ملاحظة الأداء التوكيدي ( شكل 1 ) وراقب نفسك يومياً في كل موقف اخترته بالطريقة التالية :
- املأ صورة من النموذج يومياً .
- حدد باستخدام مقياس يتراوح من صفر إلى 10 وبالنسبة لكل موقف اخترته ، حدد درجة شعورك بالراحة في التعبير التوكيدي عنه ، كذلك على نفس المقياس حدد درجة ما اكتسبته من مهارة في التنفيذ الملائم للموقف في كل مرة حدث فيها . مع مراعاة أن الدرجة صفر تعني أنني غير راض على الإطلاق على أدائي ( يعني لم أكن مرتاحاً ولم أقم بالتعبير التوكيدي المناسب ) ، بينما 10 تعني أنك راض تمام الرضا عن مهارتك في الأداء التوكيدي للسلوك الذي اخترته للتدريب . ولعملية المتابعة فوائد كثيرة من أهمها أنها ستمنحك صورة واقعية يومية عن مدي التحسن الذي تنجزه ، ومن ثم تتاح لك الفرصة لتكتشف الجوانب الخاصة من المواقف التي تشعر خلالها بالإعاقة عن التنفيذ الإيجابي للمهارة المكتسبة .
- احتفظ بالنماذج التي ملأتها في مكان أمين للعودة إليها بين الحين والآخر.
شكل 1 : جامعة الملك فيصل المستش في التعليمي / العيادة السلوكية/ تدريب القدرة على تأكيد الذات : نموذج ملاحظة الأداء التوكيدي
لكي تحقق أكبر فائدة في تدريب مهاراتك الاجتماعية ، ضع في الخانة الأولى من النموذج المواقف التي تعتقد أنك تعاني فيها قصوراً واضحاً ، استعن في ذلك بإجاباتك على مقياس تأكيد الذات . حدد يومياً ( وبالنسبة لكل موقف ) من شعورك بالرضا عن الأداء التوكيدي له في الخانة الثانية .
وفي الخانة الثالثة قدر مدى التقدم في الأداء . استخدم مقياساً يتراوح من صفر إلى 10 ، حيث صفر تعني أنك غير راض على الإطلاق ، بينما تعبر عن رضاك التام ، قد تحتاج إلى تصوير عدد كبير من هذا النموذج ليمكنك من المتابعة المستمرة للتحسن في تدريب قوتك والثقة بنفسك .. وإلى الأمام .
الخطوة الرابعــة :
تأتي بعد ذلك مرحلة الممارسة السلوكية للتوكيدية ، وتكون في البداية على المستوى التخيلي . وعادة ما تتم الممارسة التخيلية للتوكيدية في أي موقع ، وبأكبر قدر ترغب فيه .
تبدأ جلسات التخيل التوكيدي بتركيز الذهن على موقف أو موقفين على الأكثر ، من المواقف ال 10 من القائمة الشخصية كما أشرنا إليها في الخطوة الأولى ، وليكن الموقفان اللذان تختارهما في البداية من المواقف التي تتكرر كثيراً في حياتك ، أو الوشيكة الوقوع .
ومن المفروض أن تستغرق الجلسات الأولى من جلسات التدريب مما يقرب من 15 دقيقة كل يوم ، وأن يكون ذلك في مكان هادئ تستطيع فيه أن تركز جيداً ، وألا تتعرض فيه لكثير من المشتتات ، ولكن يمكنك أن تكون اكثر مرونة في الجلسات المتأخرة ، بحيث تختار الوقت والمكان ، والكيفية ، التي ستمارس بها التدريبات المطلوبة .
ويتطلب التدريب على خلق صور ذهنية أن :
1- 1- تركز على الموقف الذي اخترته لتبدأ به الجلسة التدريبية ، وأن تتخيل مثالاً مجسماً وعيانياً لهذا الموقف ، أغلق عينيك ، وأجلس في استرخاء ، ثم تخيل المشهد الذي يحدث فيه الإحتكاك الاجتماعي والتفاعل وكأنه صورة حية ، بما في ذلك ، أين حدث ( أو أين سيحدث ) ، ومن هم الحاضرون فيه ، ومتى حدث أو سيحدث ، وأين موقعك في هذا الموقف : هل انت جالس أم واقف وأين ؟ ..
2- كون صورة حية في مخيلتك للموقف ، كما لو كانت صورة فوتوغرافية ، تتحول تدريجياً لمشهد سينمائي يضع أمامك المشهد بكل الحاضرين فيه ، مواقعهم في المشهد ، ما يقوله كل واحد منهم ، وما يفعله ، وسير الأحداث إلى اللحظة التي تتطلب منك أن تكون توكيدياً .
3- 3- عندئذ تخيل ، بنفس الوضوح ، سلوكك الخاص في هذا المشهد ، بما في ذلك ما ستقوله أو ما ستفعله بصورة جيدة ترضى عنها في الموقف ، أي الصورة التوكيدية التي حددتها لنفسك ، والتي يجب أن تخلو من العدوانية والسلبية ، أي السلوك الذي سيرضيك ، ويبعث في نفسك إحساس بالسرور والرضا إذا استخدمته في معالجة هذا الموقف . ليس بالضرورة أن يكون التصرف التوكيدي المتخيل تصرفاً خارقاً ، أو شديد الجاذبية أو لافتاً للأنظار ، إذ يكفي أن تكون انت راضياً عنه فحسب .
4- 4- عد بعد ذلك لتخيل ما يحدث في المشهد نتيجة لتصرفك ، ما الذي سيقوله الحاضرون أو ما الذي سيفعلونه ؟ حاول أن تكون إيجابياً بأن تتخيل ردود فعل إيجابية من قبل الآخرين . والحقيقة أن التصرف التوكيدي عادة ما يؤدي إلى استجابات طيبة من الآخرين هذا بالرغم من أن بعض الاستجابات التوكيدية لا تلقي قبولاً مؤيداً من الآخرين وفي هذه الحالة ، تذكر أن هدفك ليس أن تحصل على التأييد الكامل بقدر ما تريد أن تعالج الموقف بأكبر قدر ممكن من الكفاءة ، لا أن تتحكم في سلوك الآخرين ، أو أن تتنبأ باستجاباتهم ، أو أن تتلاعب بمشاعرهم .
5- 5- أعد بعد ذلك نفس المشهد من جديد ، إلى أن تجد نفسك راضياً وخالياً من التوتر عند تصرفك التوكيدي في الموقف ، بنفس السياق الآتي :
• صورة حية للمشهد ، كما لو كان صورة فوتوغرافية تتحول إلى :
• مشهد سينمائي متحرك ، يقود تدريجياً إلى :
• فعل أو قول توكيدي يرضيك ، ويستثير :
• استجابة ( عادة ما تكون إيجابية ) ، من قبل الحاضرين في الموقف .
• كرر هذا الإجراء بنفس السياق للتدريب التوكيدي على مواقف أخرى .
الخطوة الخامسة : الممارسة الفعلية والتقييم :
وأخيراً يجيء دور الممارسة الفعلية للمهارة المكتسبة . وعادة ما يتم الانتقال إلى هذه المرحلة بعد أسبوع من الممارسة التخيلية . بالطبع لن تكون البداية بالقوة التي نتوقعها ، وقد يكون أداؤنا لما اكتسبناه بطريق التخيل أخرق إلى حد ما ، وذلك بسبب كثير من العوامل الخارجية التي يصعب حسابها تماماً في مواقف التخيل ، ومع ذلك فمن المؤكد أن الاستمرار في الممارسة سيؤدي إلى التحول المطلوب وستحول التوكيدية تدريجياً إلى خاصية طبيعية غير مصطنعة كما كانت في بدايات التدريب . لا حظ على أي حال ، أن تخطط مسبقاً للموقف الذي ستتدرب عليه ، ولهذا تجدني عادة أطلب من مرضاي ألا ينتظروا المواقف حتى تحدث أمامهم ، فتصيبهم فجأة ، ولكن أطلب منهم في هذه المرحلة التي أميل إلى تسميتها بمرحلة المجازفة المحسوبة ، أن يختلقوا بعض المواقف الاجتماعية البسيطة ، وأن يتصرفوا حيالها بحسب الخطة التوكيدية المرسومة سابقاً بطريق التخيل :
ومن الأمثلة على ذلك :
1- أن يشتري شيئاً ، ثم يرجع بعد ساعة لإعادته لأنه غير رأيه .
2- أن يسأل في الفصل ما يعادل 10 أسئلة أسبوعياً .
3- أن يقترض شيئاً من زميل أو صديق .
4- أن يعطي موعداً ثم يعتذر عن تنفيذه فيما بعد .
5- أن يتعمد إيقاف الناس لسؤالهم عن مكان معين .
6- أن يعبر عن إعجابه بشيء خاص بصديق أو زميل أو أحد أفراد الأسرة عدداً من المرات يتفق عليه مسبقاً ....إلخ .
وفي هذه المرحلة عادة ما نوجه الشخص إلى أن يتعمد حدوث المواقف التي تتسم بالسهولة ، والتي نتوقع نجاحه فيها ، وذلك لتدعيم النشاط الجديد ، ولأن النجاح يشجع على نجاح أكثر . كذلك نطلب منه أن يختار الأشخاص الذين يتوسم فيهم التقبل والتعاون والتشجيع ، أما التعامل مع المواقف الاجتماعية التي تشتمل على أشخاص ميالين للنقد والعدوانية ، فهذه تظل لتدريبات مستقلة متأخرة نسبياً ، فضلاً عن هذا سيظل هناك تداخل دائم بين الممارسة التخيلية والممارسة الفعلية . ففي كل الأحوال تحتاج للمارسة التخيلية بما فيها لعب الأدوار مسبقاً للموقف مرات ومرات حتى يجيء أداؤك متقناً خالياً من التصنع ، ولا ينتهي بالإحراج لك أو لمن حولك ( بالرغم من أنه لا مفر من ذلك في البدايات الأولى من جلسات المجازفة المحسوبة ) .
وبعد مرور أسبوعين من الممارسة الفعلية للتوكيدية في الحياة الواقعية ، يتطلب منك الأمر أن تقوم بعملية تقييم للأداء ، ويتم ذلك بأن تعود للاستمارة الأولى الخاصة بمراقبة الذات ، لكي تحدد عليها من جديد مدى التقدم ومدى شعورك بالراحة بالنسبة لمواقف الممارسة التي اخترتها ، فإذا شعرت بالرضا عن الأداء التخيلي والفعلي ، فمعنى ذلك أنك تسير في طريق النجاح ، وما عليك إلا أن تستمر بنفس المنطلق والتدريب على بقية المواقف التي وضعتها على القائمة ، ومن المفضل أن تبدأ أيضاً بموقف أو موقفين تمارس أداءهما التوكيدي بالتخيل ثم في الواقع ولمدة ( 10-15) دقيقة يومياً وبانتظام ، ولكنك قد ترغب في أن تمدد الوقت أكثر فأكثر خاصة إن كنت تعاني من العجز عن توكيد الذات بشكل مزمن ، كما ينبغي أن تتقدم تدريجياً إلى اختلاق مواقف أكثر مجازفة ، بأن تعرض نفسك لمواقف اجتماعية طبيعية غير محسوبة ( مثل التطوع لإلقاء محاضرة عامة ، أو اتخاذ المبادرة في عمل حفل تتولى أنت تنظيمه ، أو أن تتناول الطعام في مطعم عام ، ثم تطلب استبدال ما طلبت إلخ )
وفي كل الأحوال عليك أن تكون مستعداً أحياناً للفشل ، فليس من المطلوب دائماً أن تفوز في كل المواقف ، كما لا ينبغي أن تتوقع دائماً الحصول على الدرجة النهائية أو الفوز المطلق في كل موقف تختاره ، وإذا لم تجد نفسك متقدماً في أدائك التوكيدي بالرغم من إتباعك لكل الخطوات السابقة فلا بأس إذ من حقك أن تكون توكيدياً أو لا تكون ، كما أن هذا الأسلوب قد لا يصلح لك ، وأنك قد تستجيب لأساليب أخرى من أساليب تدريب المهارات الاجتماعية .
ستلاحظ أنه لا توجد بين العبارات عبارات صحيحة أو خاطئة ، لأن الهدف من هذا المقياس ليس قياس ذكائك أو إمكانياتك على التصرف المثالي . إنه محاولة للإعانة على تكشف الاحتياجات الخاصة بكل شخص في مختلف المواقف الاجتماعية . بعض الأشخاص قد لا يجد مشكلة مثلاً من الشكوى من خدمة سيئة في مكان حكومي أو عام ، أو الشكوى من صديق ، أو الزوجة ( أو الزوج ) ، لكنه يجد مشكلة حقيقية في تأكيد ذاته في المواقف الشخصية الحميمة كالاحتجاج على الوالدين ، أو أخطاء شخص في موقع سلطة .... إلخ . وهذا المقياس يهدف إلى التحديد النوعي لهذه المجالات ، ومن المطلوب منك أن تحاول أن تجيب على عباراته بالطريقة الموضحة أعلاه ، ثم ناقش بينك وبين نفسك كل سؤال بالتفصيل ، محاولاً أن تحدد مواطن الضعف في التعبير عن مشاعرك في جوانب الحياة الاجتماعية المختلفة .
مقياس تأكيد الذات :
يتكون هذا المقياس من عدد من الفقرات المطلوب الإجابة عن كل منها بطريقتين ، تكشف الأولى منهما عن مدي شيوع الاستجابة التوكيدية في حياتك ، وتكشف الثانية عن التعبير عن مدي شعورك بالراحة أو عدم الراحـة إزاء ما تمثله هذه الفقرة من سلوك ، بالشكل الآتي :
تقديرك لشيوع السلوك الذي تمثله الفقرة ( أو البند ) :
حدد مدى شيوع السلوك الذي تمثله الفقرة بوضع أحد الأرقام الثلاثية التالية في العمود " أ " :
1- لا يحدث ذلك إلا نادراً، وإذا حدث فلم يحدث خلال الشهر الأخير .
2- حدث هذا مرات قليلة ( من 1 إلى 6 مرات ) في الشهر الماضي .
3- حدث ذلك دائماً ( من 7 مرات فأكثر ) خلال الشهر الماضي .
تقديرك لمدى إحساسك بالتقبل والراحة لهذا السلوك أو عدم التقبل له :
حدد مدى ما تشعر به إزاء ذلك السلوك من راحة و عدم راحة بوضع أحد الأرقام الثلاثة التالية في العمود " ب":
1- شعرت بعدم الراحة تماماً وبالانزعاج عندما حدث ذلك .
2- شعرت بعدم الراحة إلى حد ما أو بالضيق عندما حدث ذلك .
3- كان شعوري محايداً عندما حدث ذلك ( أي لم أكن منزعجاً ولا مرتاحاً ) .
4- شعرت بقليل من الارتياح ، أو انتابتني مشاعر طيبة إلى حد ما عندما حدث ذلك .
5- شعرت براحة عميقة جداً عندما حدث ذلك .
إذا لم يحدث هذا السلوك بالمرة خلال الشهر الأخير ، فيمكنك الإجابة عنه بحسب تقديرك لمدى الشعور إزاءه لو أنه حدث لك فعلاً ، وإذا كان السلوك أو الموقف الذي تمثله العبارة قد حدث أكثر من مرة ، فحاول أن تقدر شعورك نحو هذه المواقف على وجه العموم وليس على كل مرة بمفردها .
أ.د / عبد الستار إبراهيم
" من كتاب الاكتئاب اضطراب العصر الحديث .. فهمه وأساليب علاجه ، سلسة عالم المعرفة 1998 للمؤلف"