العلاج النفسي بين الفردي والأسري
ما لا شك فيه أن الأسرة، تشكل بامتياز الخلية الأساس التي تحدد بنية المجتمع، وتوجهاته، وحاضره، ومستقبله، وتمثل حلقة وصل بين الفرد، والمجتمع ومن ثم فالأسرة تتموضع في قلب العملية التربوية، والتنموية، والحضارية والدليل على ذلك إطلاق المؤتمرات، والبرامج الاستراتيجيات لضمان أكبر قدر من المناعة، والاستقرار للأسرة أساس هذا البناء فكيف تنظر الأسرة العربية للمشكلات النفسية والاجتماعية؟؟
ينظر البعض في مجتمعنا العربي والإسلامي للمشكلات النفسية والاجتماعية بل، وبعض الأمراض الجسدية على أنها مشكلات فردية؟ فهل الأمر كذلك؟ وهذا الأمر يزداد تعقيدا في مجال التشخيص، والعلاج النفسي حين يمس المرض النفسي بنية، ونظام الأسرة النفسية، والاجتماعية، والأخلاقية؟؟ حينها يكون للعلاج الأسري أهمية قصوى مثال ذلك مشكلة الإدمان (...)
فالعلاج النفسي، والتطبيب النفسي يحتلان موقعا ملتبسا متناقضا في فكر، ووجدان الإنسان والمجتمع العربي فعند الحديث العام غير المباشر عن النفس البشرية في سياق علم النفس، والطب النفسي يلقى الحديث متلقين مهتمين، ومنصتين جيدين لان الحديث يمثل تشريحا وتفكيكا للنفس البشرية، لكن هذا الحديث، وهذه المعرفة بالنفس البشرية تواجه بالمقاومة والإنكار عندما يمسنا أو يمس أحد أقاربنا الألم النفسي هنا تبدأ المقاومة والتردد في استشارة الطبيب أو المعالج نفسي.
تشير بعض الدراسات، وبعض الملاحظات القائمة على الخبرات، والقراءات، أن الأسر العربية تعاني الكثير من المشكلات؟؟ من أبرزها سوء التوافق الزواجي، الطلاق العاطفي، الطلاق الفعلي؟ الزواج غير المعلن (العرفي، المسيار، السياحي ...) والإدمان، والخيانة الزوجية، وغشيان المحارم، والعنف الأسري، الانتحار ومحاولة الانتحار (...) فعلى سبيل المثال؟ ظاهرة الطلاق أصبحت من القضايا التي تهدد كيان الأسرة بل، والمجتمع نظرا لتفشي هذه الظاهرة، وما يترتب عليها من خلل في عملية تربية الأطفال في الأسر المطلقة، وخللا في بنية ونظام المجتمع (...؟؟) إن وضع كلمة الطلاق على محرك بحث (جوجل) نتج عن هذا البحث حوالي 4,990,000) ) نتيجة عن الطلاق بين مقالة، وبحث، وفتوى، وشكوى، ومأساة ...؟!
إذا لماذا نفضل نشر مشاكلنا عبر وسائل الإعلام؟ وعبر الشبكة العنكبوتية وبأسماء مستعارة؟؟ ونتحاشى علاج المشكلة في سياقها الأسري بين كل أطراف المشكلة؟؟ والملاحظ أن السمة المميزة لهذه المشكلات هي اضطراب العلاقة والتواصل بين الآباء، والأبناء، بين الزوج والزوجة، بين الأخوة (..؟) ألا يعتبر هذا مؤشرا على ضرورة، وضع العلاج النفسي الأسري؟؟ قيد التقنين، والتنظيم، والتطبيق، والممارسة؟؟
فهل العلاج النفسي الفردي متمركز حول المريض فحسب؟؟ أم هو علاجا نفسيا ينصب على الفرد المريض، وعلى النظام الأسري، بل يتعدى الأمر إلى النظام الاجتماعي؟؟
قد يعترض البعض على منهجية العلاج الأسري كشكل من أشكال العلاج النفسي الاجتماعي بقوله أن هذا يمثل كشف لخصوصية الأسرة؟؟ والرد ببساطة أي خصوصية يمكن الخوف عليها بعد أن تكتشف الأسرة أن هناك علاقة محارمية داخل الأسرة، أو شاب أو شابة قتل نفسه (....؟؟)؟؟ فهل هناك خصوصية بعد؟؟ وجزء من واقع الحال يؤكد تبدد جزء كبير من هذه الخصوصية عبر بروز هذه الأمراض الاجتماعية، والنفسية، والأخلاقية ونشرها وطرحها بطريقة غير مباشرة عبر وسائل الإعلام المختلفة، والمواقع الالكترونية بطريقة عشوائية بل ومثيرة للغريزة أحيانا. ألم يكن من الأفضل طرح مشاكلنا بصورة مباشرة في سياق اسري وفي وجود شخص مهني متخصص للوصول إلى حلول أكثر فعالية تستند إلى علم وخبرة ومحاثية للمشكلات.
كيف تتفاعل الأسرة مع المشكلات النفسية الاجتماعية؟؟
تتفاعل الأسر مع المرض النفسي عموما؟ ومع بعض المشكلات الأسرية بأشكال مختلفة بحسب طبيعة المشكلة، والمستوى التعليمي الثقافي، والأخلاقي، والديني والاقتصادي للأسرة (...) فتشير الدراسات في هذا لسياق إلى أن الأسرة تمر في تعاملها مع المشكلات بثلاث مراحل، وقد تتوقف عند إحدى هذه المراحل:
1.مرحلة المقاومة، والإنكار وقد تتوقف بعض الأسر عند هذه المرحلة دون طلب العون من المختصين، ومحاولة إخفاء المشكلة عن الآخرين؟؟ حتى إذا كانوا من المقربين الذين من المفترض أن يكونوا أول من يعلم، والذين من المفترض أن يقدموا العون كل حسب إمكاناته المتاحة؛
2.مرحلة التقبل المشروط أي الاعتراف بوجود مشكلة (التشخيص المبدئي)؛ والتكيف مع المشكلة؛
3.مرحلة وضع إستراتيجية بعيدة المدى للتكيف مع المشكلة من خلال؛
3. 1. تطوير دور المساندة الأسرية للمريض.
3. 2. إنعاش وظائف الأسرة،
3. 3. تدريب الأسرة على معرفة علامات الإنذار الدالة على الانتكاسة؛ وقرب الأزمات.
3. 3. تحديد الأدوار الأسرية المفسرة للتفاعل الأسري؛
فوائد العلاج الأسري:
1.تقدم الأسرة معلومات مستفيضة عن المريض؛
2.في المقابل يساعد المعالج في وضع جدل أعمال للأسرة؛
3.تتعلم الأسرة استراتيجيات ملائمة تقلل من الضغوط على المريض وعلى الأسرة؛
4.في المقابل يقدم المعالج صورة عن طبيعة المرض ويخفف من لوم الذات؛
5.تمثل الأسرة مصدر تنبيه وإنذار عن وجود انتكاسة وأزمة جديدة؛
6.يوفر المعالج الخدمة والدعم في الموقف الأزمة.
شروط العلاج الأسري:
هناك عدد من الشروط التي تسهم في تطبيق ونجاح العلاج الأسري مهنيا، وأخلاقيا أهمها:
1.موافقة المريض نفسه على اشتراك الأسرة في العملية العلاجية؛
2.الصراحة التامة والإفصاح عن كل جوانب المشكلة لتشخيصها وتحديد التدخلات العلاجية الملائمة؛
3.موافقة الأطراف الأسرية ذوي الأهمية والتأثير في العلمية العلاجية؛
4.السرية التامة من قبل الهيئة العلاجية؛
أنماط التدخلات العلاجية الأسرية:
تفيد الممارسة العلاجية في مجال علاج المشكلات الأسرية أن هناك اتجاهين في التعامل مع المشكلات الأسرية:
1.اتجاه يركز على المواجهة والبحث عن أسباب وجذور المشكلات وهذا الاتجاه يواجه صعوبة كبيرة لان بعض الأسر تعتبر هذا التدخل العلاجي يفتح جروحا نفسية، ويفاقم أزمة المرض فقد تتحول الجلسة العلاجية لمحاكمة الخبرات السلبية للأسرة، وقد يؤدي إلى توقف العملية العلاجية.
2.اتجاه يركز على المشكلة والحل الحاليين ويجمع الباحثين، والممارسين للعلاج النفسي الفردي والأسري على أن هذا المنحى هو الأفضل لأنه يتميز بالخصائص التالية:
2. 1. التركيز على الحاضر والمستقبل؛
2. 2. التركيز على خطاب ولغة الحل أكثر من التركيز على لغة وحديث أسباب المشكلة؛
2. 3. التركيز على جوانب القوة لدى المريض بدلا من التركيز على جوانب الضعف؛
2. 4. أنه علاج مباشر وفعال؛
2. 5. فيه توفير للجهد والوقت والمال.
إنها دعوة لكل أسرة وكل فرد وذوي الاختصاص ودعوة لأولي الأمر وصانعوا القرار في مجتمعنا الكبير الذي تتجاذبه الأمواج من كل جانب دعوة لتأسيس مراكز البحث والتدريب والتوجيه، والإرشاد والعلاج وإعداد اختصاصيو الطب النفسي، وعلم النفس والخدمة الاجتماعية إعدادا يمكنهم من الفهم الأعمق لمشاكل الفرد من خلال المدخل الأسري، ووضع الحلول التي قد تحصن مجتمعنا ضد مزيد من الأخطار والأمراض النفسية والثقافية، والاجتماعية (...).
مصادر:
1.نوفاليس. ن، وآخرون؛ 1997: العلاج النفسي التدعيمي؛ ترجمة لطفي فطيم
وعادل دمرداش، المشروع القومي للترجمة؛ المجلس الأعلى للثقافة، مصر.
2.http://www.swmsa.com/modules.php?name=News&file=article&sid=1785
3.http://www.brief-therapy.org
أ. محمد عقلان