مالذي يدور في عيادة الطبيب النفسي؟

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الأربعاء, يونيو 3, 2015 - 17:34

يحضر البعض عند زيارته الأولى للطبيب النفسي تتنازعه أفكار مختلفة عن هذه الزيارة. فالبعض يحضر متوجساً من أي سؤال يلقيه الطبيب عليه ، فيتحفظ لكي لا يبدو مجنوناً. والبعض يتوقع أن يكتشف فيه الطبيب - رغم إرادته - ما يريد أن يخفيه. والبعض الآخر يأتي وهو يتوقع أن يجد سريراً ليرتاح عليه ويقضي الساعات في تلك الغرفة الهادئة ذات الإضاءة الخافتة ...  يتحدث عن مشكلاته منذ ظهوره على الدنيا ، لا يقاطعه الا صوت الطبيب يتهدج ملؤه الحنان والإهتمام... ثم يخرج بعد ذلك تاركاً وراءه في مكتب الطبيب كل شعورٍ بالألم والمعاناة.

لكن الحقيقة هي أن الطبيب النفسي يلتقي بمرضاه أو مراجعيه في مقابلات مقننة ، محددة الوقت ، ويتبع منهجاً ثابتاً تقريباً ، يتدرب عليها طوال سنوات دراسته حتى يتقنه. يتم من خلال هذه المقابلات جمع المعلومات اللازمة للتشخيص والعلاج وتصنيفها في ما يسمى بقاعدة البينات النفسية التي يمكن القول بأنها خط سير المقابلة.

تعريف المقابلة النفسية:

المقابلة النفسية هي الأداة الأساسية التي يستخدمها الطبيب النفسي في تقويم المريض. وهي تشبه إلى حد كبير مقابلة المريض العضوي في التخصصات الطبية الأخرى التي تهدف إلى أخذ التاريخ المرضي والفحص السريري. تشترك كلها في المسح المقنن لجوانب الحالة المختلفة ومحاولة الوصول لتشخيصٍ فارقٍ ورسم خطة للمزيد من الفحوصات والعلاج. ولكن المقابلة النفسية تتميز عن غيرها بتركيزها على الجوانب الإنفعالية وملاحظة سير التفاعل بين المريض والطبيب لما لهذا التفاعل من أهمية في التشخيص. 
ورغم التقدم الهائل في علوم المختبرات والتصوير الإشعاعي والطبي ، إلا أنها لا تعدو أن تكون وسائل مساعدةً في التشخيص ، تضيف بعداً آخر إلى ما يمكن أن يكون الطبيب النفسي قد حصل عليه من المقابلة.

أهداف المقابلة النفسية:

تهدف المقابلة النفسية إلى الإجابة على عدد من الأسئلة المحددة التالية التي توصل الطبيب إلى تقويم متكامل ، ومنظم لحالة المريض:
1. هل يعاني المريض من إضطراب نفسي؟ هذا هوالسؤال الأساسي الذي ينبغي للطبيب الإجابة عليه ، والذي ينبني عليه تحديد مدى الحاجة للمزيد من الفحوصات أوالعلاج.

2. ما مدى شدة هذا الإضطراب؟ والجواب على هذا السؤال يحدد الحاجة للعلاج وأسلوبه ، إبتداءاً من مجرد زيارات متباعدة للعيادات الخارجية وإنتهاءاً بدخول المستشفى والمراقبة اللصيقة. ولتحديد شدة الحالة يتم تقويم مدى الخطورة على النفس أوالآخرين ، ومدى القدرة على الإعتماد على النفس وأداء الأدوار الوظيفية والإجتماعية المناطة.

3. ما هوالتشخيص بالتحديد؟ يتم التشخيص من خلال السرد الوصفي للعلامات والأعراض وتطور الحالة. ورغم أن مصداقية التشخيص تختلف من إضطراب لآخر ، إلا أن التشخيص يعطي كذلك مؤشراً لمآل الحالة ، وإمكانية وجود حالات أخرى مصاحبة وإحتمالات إصابة أفراد آخرين في نفس الأسرة.

4. هل سبب الاضطراب خلل في الوظائف الدماغية؟ قد تكون الأعراض النفسية نتيجة خلل تشريحي أوفيسيولوجي في وظائف الدماغ. وعندما تكون الأعراض والإضطرابات الإنفعالية والسلوكية نتيجة خلل وظيفي دماغي فذلك يجعلها أقل إستجابة للمتغيرات البيئية والعوامل الخارجية. فنجد ، على سبيل المثال أن تقلبات المزاج الناتجة عن الإضطراب الوجداني ثنائي القطب (والذي ثبتت له أسباب بيولوجية وجينية) ، تحدث في أوقات معينة لا علاقة لها بأحداث حياة المريض في أغلب الأحيان ، وذلك مقارنة بالتقلبات المزاجية الناتجة عن إضطراب الشخصية النرجسية التي غالباً ما يسبقها تفاعلات مع الآخرين. ومن ناحية أخرى فعندما تكون الوظائف الدماغية مضطربة ، فإن الإستجابة للعلاج الدوائي تكون أحرى ، بينما يكون العلاج اللادوائي وتأثير العوامل الخارجية أقل تأثيراً. 

5. ما هومستوى الأداء الوظيفي الأصلي للمريض؟ تكمن أهمية التعرف على أفضل حالات المريض ووضعه الطبيعي في كونها مؤشراً يساعد في تحديد بداية الاضطراب ، ومدى التدهور الوظيفي الذي طرأ على المريض نتيجة له. كذلك فإنها تلقي بعض الضوء على العوامل البيئية والإجتماعية المسببة للاضطراب ، ونقاط الضعف والقوة لدى المريض ، وإمكانية إستجابته للتغيير البيئي أوالإجتماعي.

6. ما هي العوامل البيئية التي ساهمت في حدوث الإضطراب؟ هذه العوامل الخارجية قد تكون أحداثاً طارئةً عجلت في حدوث الحالة ، أو عوامل مزمنةً أدت لزيادة الإستعداد للإصابة. ومن أمثلة الأحداث الطارئة: الفقد والصدمات. أما الأحداث المزمنة الضاغطة فهي تهيئ لحدوث المرض وتقلل من توقعات التحسن.

7. ما هي العوامل التكوينية التي تساهم في حدوث الإضطراب؟ من المحتمل أن يكون تأثير العامل التكويني في الأمراض النفسية مباشراً من خلال أثره على الجهاز العصبي المركزي أوغير مباشرٍ نتيجة الألم أو الإعاقة أو الوصمة الإجتماعية. والعوامل البيولوجية يمكن أن تهيئ للإضطراب النفسي أو تسببه في ذات الوقت. فالمريض الذي بملك إستعداداً وراثياً للفصام مثلاً ، يكون أكثر عرضة من غيره للإصابة بحالة ذهانية عند تعاطيه جرعة من الكوكائين. والمريض الذي يعاني من نقص في إمكاناته العقلية نتيجة مضاعفات الولادة ، قد تكون قدراته على الإعتماد الذاتي أقل من المعدل الطبيعي.

8. ما هي العوامل النفسية التي تساهم في الإضطراب؟ المقصود هنا هوالسمات النفسية والعقلية التي يستخدمها المريض في مواجهة أحداث الحياة. ومع أنها قد تتداخل مع العوامل الإجتماعية والبيئية إلا أنها تبقى جوهرية وثابتة ويصعب تعديلها بمؤثرات خارجية.
ومن الجدير ذكره أن كل عامل تكويني أو نفسي أو بيئي ، يتكون من عوامل أخرى مهيئة (تجعل الفرد بتكوينه مهيئاً للإصابة بالمرض النفسي) ، وعوامل محفزة (تساعد على ظهور الأعراض في وقت محدد) ، وعوامل ضاغطة (تساعد على استمرار المرض).

9. ما مدى رغبة المريض في التحسن وقدرته على تحقيق ذلك؟ تعد رغبة المريض في التحسن وقدرته على تحقيق ذلك هي المحك الحقيقي لإمكانية الشفاء بإذن الله ، وإختيار الوسيلة المناسبة لذلك ، مهما كان التشخيص. فرغبة بعض المرضى لا تعدوأن تكون آنيّة بهدف التخلص من الأعراض ، بينما يمتلك البعض الآخر دافعاً حقيقياً للتغيير في سلوكه وطبيعة علاقاته. ومن ناحية أخرى فهناك من يطمح إلى فهم عميق لذاته ، وهناك من لا يريد سوى دواءاً أونصيحةً عاجلة.

10. هل المريض قادر على أخذ العلاج ، والإلتزام: هذه نقطة أخيرة لابد من الأخذ بها عند رسم الخطة العلاجية. فمريض الفصام مثلاً ، قد يوافق على إستعمال الدواء ولكنه مشوّش الفكر ، ولا يملك القدر الكافي من الإلتزام الذي يكفل إنتظامه في تعاطيه والإفادة منه.

 

أ.د. عبدالله السبيعي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.